أمير محمد
أمير محمد

د

من أين يُؤكل الشغف؟

لا يخفى عليك أن من أثقل اللحظات مروراً على الإنسان، هي لحظات الخمود، لحظات الذبول والبرود مهما عصفت العواصف واجتاحت الرياح جنبات نفسه، تدور عجلة الساعة ببطئ شديد وعقارب أخرى تدوي تيك تك بصعوبة بالغة وكأن أحدهم يقاوم لحظات احتضارة، مع كل تيك تك يخفق القلب، وتهتز المشاعر ويبقى الإنسان عالقاً في غمرة السكون.

المسيرة التي خضنا غمارها لم تكن بالقصيرة ففيها عاينا أنواع الرحلات جميع أنواع التيه والتخبطات، حتى من زخم وفيض اضطراب المشاعر نحسب أحياناً أننا سُلبنا احساسنا بذوات الأشياء من حولنا.. تعيد الكرة بلا كللٍ أو مللٍ يُذكر التكرار الذي يقتل كل شئ لوهلة من الزمن، تمله بداخلك و لم تواتيك اللحظة لتغييرة وكأنه كُتب عليك أن تكن أبد الدهر داخل دائرة مفرغة تحسبها جامدة من هول الذبول، تمضي في الحياة وأنت السكير الذي لم يشرب، تمضي وأنت البرئ الذي يدان في كل مرة توقفت فيها ولم تعرف ما العمل؟!

على هذه الأرض ما يستحق الحياة

أهي حقيقة أم سراب؟! دائماً ما كان يدفعني للصمود أنني أريد أن أكون شئ يذكر، ولكن كيف ؟! لا أريد أن أترك صفحة ولا سطر ولا صحيفة أريد أن اترك ارث ولو نقطة بيضاء وحيدة ، أريد أن أُذكر وأكون الحاضر الغائب كما ترضاها الكلمة، ودعت الكثيرين في غمار الحياة وغمار الموت وكلما توهت في غمرة الهلع أحاول تهيئة رباطة جأشي سريعاً، ما يستوقفني حينها دائما هي بقاياه؛ كم من راحل نُسي عند حفيف قبره! التصور مفجع أنا لا أريد هكذا نسيان أبداً..

أريد أن انتفض، أريدُ أن أُذكر، أريد أن أحيا عندما أفنى وتُفنى العوالم، تمر الأعوام مر البرق، وأنا فوق سريري أردد لا أريد أن أصير نسيا منسيا، غدا سأفيق، شغفي طاقة نووية خامدة، كلما همت بالإنفجار كبلها الانهيار، يؤلفون مئات الكتب وآلاف الكلمات وملايين اللقاءات، يُطعمونك سكرات الإندفاع ومن ثم لا جديد، كلام تافه بدون رواسخ او حتى تجارب، ظل السؤال الأوحد الذي يتردد صداه في أرجاء المكان؛ من أين يؤكل الشغف؟! من الإرادة، من الإطمئنان من الحب، أم من الخوف..

الشغف يولد من الطاقة وأحياناً من بقايا رماد، يولد على حين غُرة ولو كان غير ملموساً، يهب الإنسان حياته محاولاً إيجاد ثغرة لإلهاء نفسه، ليستشعر روحه حوله وأنه لا زال على قيد الحياة، ينهمك انهماك المستضعفين لتحقيق ذاته ولسان حاله ها أنا ذا حيٌ وان لم أكن، ليست النية في الصعود إلى القمر أو استكشاف الصحراء، ليست النية في زعامة الأمة أو خلق ما لا يخلق، ليست النية في أن تمتلئ صفحات الجرائد الأولى بصورة مكبرة وعنوان ضخم ” أول من.. ” ..

كلها تكمن في الثبات، المحاولة، والعبور من عنق الزجاجة الضحل إلى ما وراء الحياة، كملايين الأشخاص علينا أن نعي أننا لسنا بمحور الكون على الإطلاق، يكفيك وِردُك من كل شئ؛ من العمل، من الحب، من الدين، من الحياة، يكفيك وِردُك أنك ما دُمت تتنفس فأنت جديرٌ بالمحاولة، جديرٌ بالحياة و جديرٌ بالحب ..

لطالما كرهت النصائح التي غالباً ما تكون على شاكلة ما كتبته آنفاً، لكنك تدري وأدري ويدرون جميعهم أنها ليست بنصائح على الإطلاق هي محاولة ثكلى لإيجاد نفسي بين كلامي، ولأنني أعلم أنني بي شغفٌ ما حريٌ به أن يظهر، وحريٌ بي أن أحاول..

عادة ما يؤكل الشغف من محاولات شحذ الهمم، والعصف الذهني فيما لا تحسنه في الفراغ، لكنه حريٌ بالشغف أن يؤتى على عجل أو مضض لا فارق، حريٌ بالشغف أن يؤتى ولو كان من أمور بسيطة، ودعني أطمئنك ببساطة أنك عالق به وهو عالق فيك..

كلٌ منا له شغفه الخاص؛ الشغف لم يولد لشئ بعينه دون الآخر، ليس من حق أحد أن يسفه منه أو منا مهما يكن، شغفك بالتدين، بالصلاة، بقراءة القرآن ، شغفك بكتابٍ قرأته على مضض فنال من قلبك ما ناله، شغفك بالحب، بالاطمئنان، شغفك بنشوة فوز فريقك المفضل، أن تستيقظ مبكراً وأن ترمي وراء ظهرك كل ملذات النوم والدفئ، أن تصير الضوء في النفق المظلم أن ترسم البسمة على الوجوه الضالة، أن تُهدي التائهين وأنت الذي لم يكن هنالك أحدٌ بإنتظاره، أن تصير انساناً ذلك معنى أن تكون شغوفاً، شغفك بنفسك وكل هذه الأشياء الصغيرة هي أنت وأنت منها.

دعك مِن هراء مَن حولك، لا أحد يرى ما بالنفس سوانا لا أحد يغالب النعاس والتعب الا لشغف ما ولو كان تافه، لا أحد يكابر نفسه في الأوقات العصيبة وهو لا يستطيع حتى التنفس الا محاولة منه للبقاء من أجل شئ ما، نحن وان كنا لا نعرف من أين يؤكل الشغف، إلا وأننا نذوب به ويذوب بنا بلا شعور منا على الإطلاق، إنها الحياة وإنها لكبيرة.