سامي الذبياني
سامي الذبياني

د

ما تفسير ما نراه اليوم من عدم وجود من يقتله الحب أو يذهب بعقله الهيام!

ما تفسير ما نراه اليوم من عدم وجود إنسان يقتله الحبُّ؟ أو يذهب بعقله الهيام؟!

السبب في رأيي عائدُ إلى مثل مشهور هو ” كثرة المساس تُذهب الإحساس”.

فلكثرة اختلاط الرجال بالنساء، يذهب الحب، فمكان المرأة امرأة أخرى، ومكان المحبوب محبوب آخر.

وقد قرأت أخبار العرب، وأقاصيص عشاقهم، فرأيت عُشاقها من أهل البادية، ولم أرى الحب عند أهل الحاضرة -يعني أهل المدن- إلا في القليل النادر.

فهذا كتاب مصارع العشاق للبغدادي، يذكر فيه أخبار عشاق العرب، لا تكاد تجد فيه عاشقًا واحدًا من أهل الحاضرة، بل لا تكاد تقع فيه إلا على أقاصيص عشاق الأعراب وأهل البادية.

وأما أهل الحاضرة فقليل، والقليل منهم إما محتالون أو مخادعون!

يزعمون الحب وهم أكذب الناس، يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، كأمثال: عمر ابن ابي ربيعة في مكة، وأبو نواس وبشار بن برد في العراق، وغيرهم، فالواحد منهم يُحبُّ عشرة نساء في آن واحد، ولا يُخلص في حبه وعشقه لأيَّ منهم، بل هو يُحب لأجل شهوته، ولأجل مصلحته الخاصة.

قارن بين هؤلاء المخادعين وبين عُشاق أهل البادية، تجد الفرق شاسعًا وبعيدًا!

 هذا عروة ابن حزام البدوي يعشق ابن عمه ويأبى عليه أبوه أن يزوجها منه ويزوجها بعد ذلك لغيره، فيقول:

وإني لتعروني لِذِكْراكِ هَزَّةٌ

كما انتفَضَ العُصْفُوْرُ بَلَّلَهُ القَطْرُ

ثم يموت بعد ذلك عشقًا، وتموت ابنة عمه كمدًا عليه وحزنًا!

وهذا الفاسق أبو نواس الذي يزعم أن “جنان ” محبوبته يقول:

لولا حذاري من “جنان”

لخلعت عن رأسي عناني

وركبتُ ما أهوى ولم

أحفل مقالة من نهاني

وخرجت أخبط سادرًا

لم أغن عن حب الغواني

فهو يقول لو لا خوفي من محبوبتي ” جنان ” لركبت الهوى في حبُّ كل غانية وكل حسناء، ولقد فعل فما رأى شيئًا حسنًا إلا زعم أنه يُحبه، وهو حبُّ كاذب، تدعوه إليه رغباته وأهوائه الشخصية.

هذا وأمثاله كثير في أشعار العرب، يَصدقٌ حبُّ أهل البادية، ويقل صدق أهل الحاضرة، وهذا هو تفسير ما نره اليوم -من عدم وجود من يقتله الحب أو يذهب بعقله- لانفتاح الناس على بعضهم البعض، وتقارب أقطار الدنيا البعيدة، حتى أضحت كالقرية الواحدة.. والله أعلم