سارة الشافعي
سارة الشافعي

د

ماذا لو عاد معتذراً؟

ماذا لو عاد معتذراً؟ سؤال تم تداوله بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي عن الأحباء أو حتى الأصدقاء القدامي.

ماذا لو عاد معتذراً؟ لتنهال الإجابات من كل حدب وصوب على هيئة شعر مرة، وعلى هيئة خطاب عتاب أو لبث لوعته وما عاناه أثناء غياب الحبيب. ولكن في كل مرة أرى فيها هذا السؤال، كنت أتسأل بدوري هل هناك من يعتذر في أيامنا تلك؟  بغض النظر عن نقطة العودة فلسنا بصدد الحديث عنها هنا.

أن يرحل عنك أحدهم أي كان شكل العلاقة ومهما كان السبب، فالرحيل بالنسبة لي يضع حد لكل ما جرى وما كان. لكل شيء عواقب، وخطوة بهذا الحجم بالطبع عواقبها تختلف عن غيرها، وعليه يجب على الشخص أن يتحمل تبعات ما جنته يداه.

أن يقرر أحدهم أن يكف عن المحاولة من أجلك أو التنازل، أو تقديم أي حل لتغيير الوضع وإنهاء سبب أي خلاف ليرحل بمنتهى ببساطة. يرحل متخلياً عن كل ما كان بينكم من ود، وقتها لن تكون الأسباب ذات  جدوى.

بالطبع كبشر نختلف كلياً عن بعضنا البعض، ولا نتعامل بنفس الأساليب أو الأفكار مع نفس المواضيع. ولكن مع هذا الاختلاف متى كانت القطيعة أو الجفاء أو حتى التباعد وقت الشدة حتى نهدأ حل لأي شيء أو فكرة سديدة في أي موقف كان؟

ثم من تسأل عن عودته معتذراً هل أخذ القليل من وقته ليبحث في آمر الاعتذار؟ من قال أننا نملك ثقافة اعتذار أو نتعامل بأساليب لائقة في مثل تلك المواقف؟

نادراً ما تجد من يعتذر أو يعترف بخطأه بصراحة وبدون مرواغة أو تهرب من المسئولية، ولكن ما اعتدنا عليه أذا اعتذر أحدهم أن يؤكد انه يعتذر بالرغم من كونك سبب المشكلة من الأساس، أو أنه يعتذر بغض النظر عما فعلته أنت وجعله يخرج عن طوره ويتصرف بهذا الشكل الفظ_ مؤكداً للمرة الثانية أنك أنت السبب الرئيسي والوحيد لكل ما حدث_ مما جعل الأمور تأخذ هذا المنحنى.

وكلنا في النهاية نجد صعوبة كبيرة في الاعتراف بأننا أخطأنا، مهما اختلفت الأسباب، لكننا نرفض أن نكون الطرف المخطئ أو الأكثر جهلاً، أو الأقل تقبلاً أو أي شيء أخر، نرفض أن نكون مخطئين ببساطة لأسباب كلها خاطئة. لكن شيء ما بداخلنا يمنعنا من الاعتراف. كبر أو خوف أو ضعف لا يهم، في النهاية ننسحب بهدوء ونخاطر بتدمير كل شيء حتى لا نواجه أنفسنا وندرك فداحة ما فعلناه. ثم نعود بعد أن يهدأ الوضع أو تحل المشكلة بأي طريقة بدون تدخل منا، مع أننا أصحاب الدور الرئيسي فيما جرى، لنعتذر ولكن بدون أن نعتذر.

جل ما نعرفه عن ثقافة الأعتذار هو التلفظ بالكلمة مع أداء مصاحب حتى نقنع من أمامنا بأننا نادمين، مع اقتناعنا التام بأننا لم ولن نخطئ أبداً. نحن أعلى وأكبر وأجمل من كل هذا.

نعود ونعتذر كما أعتذر الفنان يوسف عيد في فيلم عسكر في المعسكر حين سأل محبوبته قائلاً:

(موتي؟ أني أسف..)                                       

نعود لأننا اعتدنا الوضع واعتدنا الأشخاص، واعتدنا كل شيء ولا نريد أن نجهد أنفسنا بالبحث عن جديد أو تغيير ما يجب تغييره.

نعود لأننا لا نريد أن نبدأ من جديد.

نعود لأننا كلنا نخطئ وكلنا لا نريد أن نعتذر ومع هذا نريد استقبال بأبيات الشعر والخطابات الملتهبة التي قرأنا الكثير منها رداً على السؤال المذكور.