فادي عمروش
فادي عمروش

د

مراجعة كتاب معيار النقد الحكومي

نشر الكاتب والخبيرُ الاقتصادي الشهير المناصر للبيتكوين  د. سيف الدين عموص كتابه معيار النقد الحكومي والذي يمكن اعتباره امتداداً لكتابه السابق معيار البيتكوين، البديل اللامركزي للنظام المصرفي المركزي الذي كان أول كتابٍ أكاديمي يتحدَّث عن اقتصاديات البيتكوين، ونُشر بأكثر من عشرين لغة ويتحدَّث عن البيتكوين من وجهة نظر اقتصادية، وهو الكتاب الذي قاد مايكل سايلور الرئيس التنفيذي لشركة MicroStrategy لشراء بيتكوين بعد قراءته للكتاب، ما دفع شركته لتأمين ثروتها باستخدام عملة البيتكوين بدلاً من الأصول الأخرى التي ربما بدت وكأنها خيارات أكثر منطقيَّة مثل الذهب.

يغوص سيف الدين في كتابه معيار النقد الحكومي في أسباب وجود النظام المالي الحالي موضحاً أسباب نشأته وتطوره في ضوء القوى والدوافع الاقتصادية خلال المئة عام الماضية، ثمَّ ينتقل إلى شرح التقنيات التكنولوجية التي يعتمدها هذا النظام، وطريقة تعامل البنوك به عبر إصدار ديون لعملات لا تملكها لينتهي بالحل المتمثِّل في بيتكوين للتغلُّب على فشل هذا النظام المالي كما يقول الكاتب.

الفشل التراكمي لنظام الديون

يوضح الكاتب فشل النظام النقدي الحكومي القائم على الديون باتِّباعه طريقة زيادة الكمية المعروضة في نظام النقد الحكومي، فعندما يقوم المصرف بإقراض رجل مليون دولار على سبيل المثال، لن يعطي المصرف الرجل من أموال المودعين في المصرف، بل سيقوم بطباعة مليون دولار جديد، ممَّا سيزيد من المعروض بالعملة، وبالتالي يؤدِّي إلى تضخُّم هذه العملة، ويقارن هذا مع طباعة أو تعدين بيتكوين، معتمداً في ذلك على نظام العرض والطلب.

ينتقل سيف الدين إلى شرح الأسباب التي دفعت الحكومات إلى تبنِّي هذا النظام، وكان من أبرزها زيادة الهيمنة النقدية للحكومات على الشعب، إذ كانت قيمة العملة المعروضة سابقاً تساوي قيمة الذهب الموجود لدى الحكومات، ولم تستطع الحكومة طباعة عملات أكثر من قيمة الذهب لأنَّها ستكون مضطَّرَّةً لاستبدالها بما يعادلها من الذهب متى أراد الشعب ذلك، وزاد هذا الثبات بعدد العملات المعروضة من قيمة العملة، وأدى إلى استقرار نظام الصرف لعقود، أما بعد فصل العملة عن الذهب، امتلكت الحكومات القدرة على إصدار كميَّة كبيرة من الأوراق النقدية دون أن تكون مضطَّرة إلى استبدالها بالذهب، وهذا ما أسهم في زيادة أسعار كل المواد عالميَّاً نتيجة تضخُّم العملة المستمر نتيجة طباعة عملات جديدة، وزيادة الكمية المعروضة من النقد.

يُهدِّد شبح التضخم مدَّخراتنا

يركِّز سيف الدين في القسم الثاني على إظهار تأثير نظام المال الورقي الحالي على مستقبل مدَّخراتنا، موضحاً ذلك عن طريق شرح نظام الادخار قبل اعتماد النظام الورقي وبعد اعتماده، فقد كان ادخار الذهب أو العملة سابقاً يزيد من قيمتها مع مرور الزمن وذلك لزيادة كميَّة الإنتاج ورخص الأسعار، أمَّا في وقتنا الحالي فالادِّخار غير مضمون مع هذا النظام بسبب تناقص قيمة العملة لزيادة المعروض منها كل عام.

 ثمَّ يتوسَّع بشرح تأثيره على التعليم الاقتصادي والذي يبيِّن فيه سعي الحكومات والأثرياء المستفيدين إلى ترويج فكرة فاعلية نظام العملة الورقي وتدريسه في الجامعات والترويج لفكرة أنَّنا لسنا بحاجةٍ إلى العودة إلى النظام الذهبي. موضحاً أن ذلك ليس سوى محض كذب وخداع من الحكومة للحفاظ على سلطتها النقدية، وأنَّ من يروِّج لهذه الأفكار التي توضح أنَّ هذا النظام مفيد للفقراء هم فقط المستفيدون من الأغنياء وأصحاب السلطة.

يتابع الكتاب ليشرح التأثير السلبي الكبير على قطاعي الطاقة والغذاء، فعلى الرغم من زيادة كمية الإنتاج عما كانت عليه سابقاً إلا أن الأسعار العالمية ما تزال ترتفع كل عام، موضحاً أنَّ دخل الفرد يجب أن يزداد بمقدار10٪ كل عام لمواكبة هذا الارتفاع، ويشير في هذا السياق إلى أنَّ هذه الهيمنة النقدية أو السلطة التي منحتها الحكومة لنفسها من خلال طباعة الأموال بالقدر الذي تريده؛ أعطتها القدرة على سرقة إنتاج الشعوب بأوراق تكلِّف الحكومة مبالغ قليلة، وأتاح للحكومة دخول السوق الحرَّة والتدخُّل بالحياة الشخصية للأفراد ولكن بشكلٍ غير مرئي.

بيتكوين طريقنا للحرية الاقتصادية

بعد تلك المقدمة الاقتصادية، يبدأ الكاتب بالترويج لحل بيتكوين من وجهة نظره التي يؤمن بها، فهو يؤمن بأن اعتماد معيار بيتكوين ليكون نظاماً ماليَّاً يحرِّرنا من هيمنة الحكومة على نظام النقد، ويساعد في زيادة الحرية الاقتصادية للشعوب، وعند ذلك لن تستطيع الحكومة نهب الثروات عبر طباعة النقد لأنَّها غير قادرة على إنتاج بيتكوين إلا بكميات محدودة، إذ أنَّ معادلة توليد بيتكوين واضحة ومحدَّدة بالرياضيات ولا يمكن تغييرها البتة، ولم تتغيَّر منذ انطلاق بيتكوين حتَّى الآن.

يتحمَّس الكاتب ليقول إنَّ بيتكوين يتفوَّق أيضاً حتَّى على الذهب بعاملين يجعلان من الصعب استبداله كما استُبدل الذهب سابقاً بنظامٍ ماليٍّ ورقيٍّ. يتمثَّل العامل الأوَّل بقدرة أي شخص على معرفة الكميَّة المعروضة من بيتكوين عبر النظام في كل يوم وكمية بيتكوين الموجودة مع الأطراف التي يتعامل معها، وبالتي ستكون الحكومة غير قادرة على زيادة القيمة المعروضة من بيتكوين، بينما يتمثَّل العامل الثاني في سهولة التعامل مع عملات بيتكوين ونقلها من مكانٍ إلى آخر وحتَّى إخفائها بسهولةٍ، ويوضح الكاتب أنَّه في حال اعتماد بيتكوين ليكون نظاماً ماليَّاً فسيكون التعامل به عبر شبكة البرق، وليس عن طريق شبكة سلاسل الكتل.

ختاماً

ربَّما يبدو بيتكوين معَّقداً للعامَّة حالياً وخاصَّة من وجهة نظر برمجية، لكن تشرح كتابات سيف الدين عموص الموضوع من وجهة نظر اقتصادية بحتة. إنَّ الكاتب من أنصار العقائديين لبيتكوين، ويستقرأ اندماج بيتكوين في كلِّ تفاصيل حياتنا في العقود القادمة ويراه الخلاص من النظام الحالي، ذلك النظام المالي الذي لا يساعد إلا في زيادة ثروة الأغنياء وتحويل الفقراء إلى عبيدٍ عبر بيع الوهم ومركزيَّة السلطة، وهذا ما سيحمينا منه بيتكوين حتماً وفق ما يقتتع به.

تنويه: تم الاستعانة بمراجعة فيديو التالية خلال كتابة المقالة.