زيد الشريف
زيد الشريف

د

عمى البصيرة… من ((الغريب)) لألبير كامو

أوووه كم هو نص عجيب… 

الأسلوب ممل؛ لكنه جذاب!  

كيف ذلك؟

هو هكذا وعندما تبحر فيه ستعرف كيف يمكن أن يكتب العظماء.

…………..

هل سبق وسمعت (صباح) وهي تقول: “وأنا مالي وأنا مالي”.

هكذا كانت حياة (الغريب) تبدو! كائن لا يعرف لتضحيات حبيبته وجهًا؛ ولا لموت أمه حزنًا.

بل أنه لا يهتم حتى لمن قتله برصاصة لا تعرف الرحمة!

كل هذه الجوانب من الرواية؛ لا يمكن لمؤمن بالحياة، والبعث بعدها؛ أن يوافق (كامو) -العبثي- عليها.

ولكن…

أريد أن أحكي لك قصة حيرتني منذ الصغر، وقد حدث ما يطابقها.

-في المعنى- مع (الغريب) في المحكمة!

أقول: 

كان في قريتي رجلان؛ عُرِف عن أحدهما أنه (شجاع جدًا) بينما اشتهر الآخر بخفة العقل والسفه.

إلى الآن لا يبدو  في الأمر غرابة؛  لكن…

عندما يحدث أن يدخل الأول -المشهور بالشجاعة- في مشاجرة مع أحدهم فيمردغ وجهه في التراب؛ تجد الجميع يثني على شجاعته، ويُعدد مزاياه القتالية.

بينما..

لو حدث أن صاحبنا الآخر (السفيه) مردغ وجه أحدهم في التراب، وفعل به كما فعل الأول بخصمه تمامًا؛ لصدمت من الذين امتدحوا شجاعة الأول؛ وقد تبدلت نظرتهم لـ(المردغة) -الممدوحة في المرة الاولى- بينما تسمعهم يذمونها -هنا- ويصفونها بالفعل المبالغ فيه؛ والذي لا يصدر إلا عن مجنون!

فما الذي يدفعنا إلى الحكم على الأمور بهذا النحو؛ بحيث يكون الحكم على الصورة النمطية للشخص (مجنون/ شجاع) لا على ذات الفعل؟

إنها العادة… وربما تكون هذه العادة متجذرة فينا عبر أجيال من الأسلاف! 

لقد توارثنا هذه النظرة العامة للأمور، بشكل يكاد يقترب من أن يكون فطرة مزجت بنا في الأرحام!

إذا هي عادة أزلية لا شفاء منها؟

العادة تُقتلُ بالعادة!

كيف ذلك؟

يقول الشاعر: والنفـسُ راغـبـةٌ إذا رغّبتَـهـا

             ‏وإذا تُـرَدُّ إلـى قلـيـلٍ تـقنعُ..

ولئن كان قوله هذا يفهم منه ما يعتري النفس من الطمع، والقناعة؛ إلا أنه في منظوره العام؛ يدل على  أن النفس البشرية ليست عصية على التكييف؛ وهذا مجربٌ في أصعب الأشياء، وأعقدها. ومن ذلك ما ذكره (نجيب محفوظ) عندما سئل عن كيفية مقدرته على إنتاج هذا الأدب الراقي، والكثير -نوعًا ما- رغم حياته الروتينية إلى حد كبير -موظفًا نشطًا، وأبًا لأسرة- فأجاب بأنه يقتطع باستمرار وقتًا من يومه للكتابة، وقد عود نفسه على أن تحضر أفكاره في ذلك الوقت المحدد!

والكتابة الإبداعية، كما تعلم من الأمور التي تحتاج إلى تدفق متعدد؛ من أفكار، ومشاعر، وحذق لغوي، وغير ذلك. فتكييف النفس على أن تأتي بكل ما سبق في وقت محدد؛ دليل على أن النفس يمكن أن تروض وتكيف على الهيئة التي نرجوها.

وبعد.. فإن الغبش يزداد يومًا، بعد آخر؛ فتعاهد نفسك، ونقي بصيرتك، وأبحث عن جوهر الأشياء؛ لتدرك الحقيقة. وأحذر كل الحذر أن تنقاد مع القطيع، أو أن تكون (المدعي) الذي طالب بإعدام (الغريب) لأنه لم يبكي يوم دفن أمه؛ وليس لأنه قتل نفس بدون حق!

وقد ترغمك الحياة؛ على أن تتعامل مع أسوأ خلق الله؛ فلا تظلمهم فيما لم يرتكبوا؛ لأنهم (أشرار). وتذكر قول الله تعالى: “وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ”.

همسة..

الرواية تحمل بعض التعالي الإستعماري -الواضح- تجاه إخواننا الجزائريين؛ وهذا مما لا يقبل بحال من الأحوال.