إسراء عصام فتحي
إسراء عصام فتحي

د

تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على ثقافة الأفراد والمجتمعات

تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي على ثقافة الأفراد والمجتمعات المختلفة وذلك من عدة جوانب حياتية تتطرق وتتغلغل إلى حياة الإنسان اليومية.
حيث تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي على نظرة الأفراد والمجتمع للكثير من القضايا الثقافية، السياسية، التعليمية و الدينية منها أيضاً، مما ينعكس بدوره على فكر الأفراد وطريقة نظرتهم للأمور ومعالجتهم لها، ومن الجزء إلى الكل يظهر ذلك التأثير فيما بعد على فكر المجتمع وتقدمه أو اضمحلاله.
الأمر الذى يعود بدوره إلى حالة الصحة النفسية العامة لأفراد ذلك المجتمع نتاج لما يواجهوه من مشكلات اجتماعية من البؤر المرضية الفكرية التى تتشكل يوماً بعد يوم.
فالصحة النفسية للأفراد هى ما تجعلهم قادرون على فهم أنفسهم بشكل صحيح و التعامل مع نواقصهم وما يملكونه من طرق تساعدهم على معالجة ذلك النقص أو التصالح معه إلى حين تحسينه.
ومن ثم يستطيع الإنسان تحمل الضغوطات اليومية وما يمر عليه يومياً من صعاب وتحديات، فيستطيع بالتالي المشاركة فى مجتمعه والاسهام فى تحسينه وتنميته.
وعلى الرغم من الإيجابيات التى قد توفرها وسائل التواصل الاجتماعي؛ إلا أنه ينتج عنها عدداً من الآثار الضارة على الأفراد، حيث يأتي الاكتئاب فى مقدمة تلك الآثار بالنسبة لبعض فئات الأفراد التى تتخذ وسائل التواصل الاجتماعى نهجاً للمقارنة و التقييم بينها وبين الآخرين، مما يولد عنه ضغط نفسي يجعل الفرد ينتقص من قيمته الذاتية كل مدى وبصورة مستمرة دون إدراكاً منه لما قد يملكه هو شخصيا من ايجابيات قد يتفوق بها، ودون عملاً يستطيع من خلاله تحسين تلك النواقص الناتجة عن عمليات المقارنة.
لينتج عن كل ذلك قصور ذهني وعقلي غير قادر علي التحكم فى مجريات الأمور أو تقييمها بصورة منطقية غير مستدلاً بذلك عن صحة أو خطأ المعلومات التى استخدمها فى عملية المقارنة منذ البداية.
إلى جانب دور السوشيال ميديا فى تشكيل العقل الجمعي لدى افراد المجتمعات أو ما يطلق عليه (الأثر الاجتماعي المعلوماتي).. و العقل الجمعي فى مفهومه البسيط: هو ظاهرة نفسية اجتماعية واستنتاج عقلي لجماعة من الأفراد، تفترض من خلاله صحة سلوكها وموقفها تجاه رأي أو موقف ما.
كما يتجلي من خلاله سطوه أثر الجماعة على الفرد ومدى قابلية انصياعه لسلوك الجماعة سواء كان قهراً أو اختياراً رغبة منه فى تحصيل شعور الانتماء والقبول المجتمعي للجماعة من حوله، بصرف النظر عن مدى صحة أو خطأ السلوك أو الفكر الذى تتباه تلك الجماعة… لينتج عن ذلك فيما بعد سلوك القطيع أو تأثير العربة.
ويأتى دور الفيسبوك وغيره من منصات التواصل الاجتماعي فى كونهم مصادر متعددة لتغذية ذلك العقل الجمعي سواء كانت تلك التغذية معلومات صحيحة، شائعات محض خطأ أو حتى فى نوعية الفكر الذى يتبناه الإنسان سواء كان متحضر أو رجعي.
ويختلف قوة ذلك التأثير باختلاف الثقافات المتعددة، مستوى الوعي والثقافة بكل مجتمع ومستوى الجهل وإن كان جهل فى فئة المتعلمين أيضاً وما ينتج عنه من فكر رجعي وانصياع خلف الشائعات والحكم على مختلف الأمور من منظور ضيق وسطحي.
الأمر الذى يترتب عليه تغير قناعات الشعوب وبسهوله التحكم فى طرائق تفكيرهم وارائهم، وتوجهيهم نحو مسار معين فكرياً دون وعي منهم لما هم مقبلون عليه.
تقول (سوزان بلاكمور)..
“لا توجد آلية يمكنها اكتشافُ الوعي، وليس هناك منطقة داخلية في الدماغ لإنتاج الوعي قد نجدها في بعض الحيوانات ولا نجدها في حيواناتٍ أخرى”.
إلا أن الوعي الإنساني هو تحصيل كل الخبرة الإنسانية والبشرية فى صورة سلوك ونهج متحضر يتبعه افراد المجتمعات.. هو البذرة التى يزرعها كل عقل داخل أرض روحه بالقراءة، العلم والتحسين المستمر لنفسه ولمن حوله، متجاهلاً بذلك كل سوء وقبح وانشغال بما لا يفيد ولا يسمن أو يغنى من جوع.. إن الوعي هو صدق الإنسان فى نهاية الأمر، وما كل تعلم وكل نية إصلاح ولو كان فردي سوى صدق فى النهاية.