أمل محسن
أمل محسن

د

جزاءُ الإحسان

كنت في طريقي إلى الدوام اليومي وكانت أمي بصحبتي متوجهين إلي محطة مترو الأنفاق ليذهب كلاً منا إلى وجهته، وأثناء وضعي الحقائب الخاصة بأمي على جهاز الكشف، متحركة إلى الأمام لكي أقوم بمتابعة الطريق.. منع تحركي رجل كبير طويل القامة! كنت متعجبة لثباته!

في نفس المكان دون تحرك.. حتى طلبت منه التحرك فلم يلبي طلبي! وإذا بي أسمع أصوات الضباط والعساكر ترتفع بالنداء طالبةً من المارة أصطحاب الرجل معهم إلى قطار المترو!

لثواني معدودة لم أستوعب الأمر، لكني نظرت إلى الرجل فوجدته كفيف لا يرى! أدركت هنا أنه يحتاج للمساعدة.. ولكن لفت إنتباهي هندامه المرتب بعناية فائقة.. ما جعلني أعتقد في أول وهلة أنه رئيس مباحث المحطة نظراً لتواجده بجوار الضباط والعساكر، فأدركت العلة من تواجده في هذا المكان!

أمسكت بذراع الرجل وتحركنا ثم قبلت جبهت أمي سريعاً وأنا مرتدية الكمامة نظراً للظروف الراهنة التي نمر بها من جائجة كورونا، وأكملت السير مع الرجل! وإذا به يقوم بتغيير وضعية يده وقام بوضعية “الأنجشه”. أرتبكت حقاً فأنا لم يقم أحد بخلاف والدي رحمه الله عليه بأمساكي بهذه الطريقة!

ولكن ونحن في طريقنا متجهين إلى السلم تعسرت قدمي بسبب الارتباك وأنصدمنا أنا والرجل في مجموعة من الفتيات أمامنا مثل “العربية” التي لم تسيطر على الفرامل فدخلت في السيارة التي أمامها.

فأنا مازلت لا أستوعب كيف أتعامل مع شخص كفيف لا يرى! ومما زاد إرتباكي.. وجدته يقول لي أنه يمشي مع خطواتي ويعتمد علي في الطريق ولكنه لا يعلم إني ضربت المارة! لم أقم بالشرح للفتيات لماذا صُدمت بهم.. فبنظرة واحدة للرجل أدركوا العلة..

بضع دقائق أمشي على خطوات الرجل.. والرجل يقول لي أنه يمشي على خطواتي وأنا في حديث مع  نفسي من يمشي علي خطوات من؟

حقاً الأمر صعب للغاية أن تصبح المرشد لشخص كفيف لبضع دقائق وأنت لا تعلم عنه شيئاً ولا هو إيضاً يعلم عنك شيئاً!

فالثقة في أني لن أتركه  لديه عالية، أما أنا حتى إذا كنت متأخرة على موعدي فأنأ الآن علي موعد لتقديم خدمة إنسانية لن أعلم جزائها إلا في الآخرة!

 لكني وجدت ريحها في طريقي ذلك اليوم!

فنظراً للظروف القاسية التي يمر بها العالم من تفشي فيروس كورونا المستجد واضطراري إلى إرتداء الكمامة لساعات طويلة من اليوم خلال فترة تواجدي خارج المنزل.. كنت أعاني من “الشبورة” فوق النظارة الشمسية الخاصة بي التي تُعيق رؤيتي فأقوم بنزعها حتى أتمكن من النظر..

فبعد أن تركت الرجل الكفيف وقمت بتسليم المهمة لشخص آخر ليصحبه إلي العربة المخصصة للرجال، لاحظت أن النظارة الشمسية لم تصنع الشبورة اليومية! تعجبت كثيراَ من هذا الأمر كيف هذا؟ فأنا كل يوم أرتدي الكمامة والنظارة الشمسية ويتنهي بي المطاف إلى نزعها حتى أستطيع السير في طريقي..

فأدركت لحظتها المغزي والمعنى للآية الكريمة

هلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ 

 لقد جعلني الله نوراً لشخص لا يرى لبضع دقائق.. فأضاء الله طريقي ومنع نظارتي من  تكوين الشبورة جزاء لهذا العمل.

هل أنتم أيضاً علمتوا معنى الآية الكريمة من خلال موقف ما!