أسامة حمامة
أسامة حمامة

د

الحجر الصحي: عودة إلى الوراء

عندما فُرضت حالة الطوارئ الصحية في العشرين من مارس المنصرم، انتابني الفضول لمعرفة نوع الآليات العسكرية التي تجوب الشوارع، اكتشفت بعد البحث أنها من صنع شركة Saviem التابعة لمجموعة رونو Renault. هذه المركبات المدرعة هي من طراز VAB اختصارا لـ Véhicule de l’avant blindé، وهي بمثابة “بـاص” في ساحة الحرب، حيث تعمل على نقل الجنود والمعدات من مكان لآخر بنسبة أمان كبيرة، وتشغل أيضا مهمة “سيارات إسعاف” تخلي الجرحى عند الضرورة، ولأنها تقنياً ليست “مركبات قتالية” ثقيلة، فهي غير مجهزة للاشتباك المباشر داخل المعارك، بقدر ما تلعب دوراً لوجيستياً محضاً.

الفضول نفسه عاودني اليوم، بصورة نوستالجية هذه المرة، حيث تساءلت عن كلمة “لاراف” التي كنا نسمعها كثيراً إلى وقت قريب، صحيح أنها اقترنت تاريخياً بدوريات الشرطة التي كانت تفرض حظر التجوال ليلاً وتمنع التجمعات وتعتقل المتسكعين دون بطاقة تعريف… خصوصًا خلال “سنوات الجمر”، لكن أصل الكلمة اللغوي لم أجد له طريقاً. هل هي اسم ماركة سيارة النقل الخاصة بالشرطة؟ أم هي مصطلح يختصر مثلاً معنى “تفريق الجماهير” أو “حظر التجوال”؟ ثم كيف تكتب أساساً؟ هل La Raf أو L’Araf أو بطريقة أخرى؟
لم أحرم نفسي من وضع بعض التخمينات، فكرت في Restriction Aux Foules، أو Retour Au Foyer أو Reléguer à force…. أما التنقيب عن صلة وثيقة بين الحروف وموديل معين، فلم يفضي إلا لنتيجة وحيدة هي Riga Autobus Factory، شركة لصنع سيارات النقل والحافلات الصغيرة من لاتفيا، وقد أفلست سنة 1998. طرحت فرضيات مشابهة كـ Renault Automobile Factory أو Renault Auto Fourgon، لكنني أشك في صوابها.
على العموم، ما أعرفه عن يقين هو أن كلمة “صطافيط” المتداولة في الأوساط الشعبية تعود على فئة Estafette، وهي سيارة نقل Van كانت تنتجها رونو الفرنسية إلى مطلع الثمانينات، قبل أن تستبدلها بـ Trafic. أسطول سيارات نقل الشرطة عندنا يضم الآن عدة ماركات كـ Citroen Jumper و Fiat Ducato… وفي ظل التنوع الحالي وغياب ارتباطها الوثيق بأحداث معينة، سيصعب على هذه السيارات ترك بصمة في الذاكرة الجماعية كما فعلت نظيرتها السالفة. بالمقابل، ربما Saviem Vab تنجح في ذلك، لأن احتكاكها بالناس تم بشكل قريب ومطول عند تطبيق الحجر الصحي.
أخيرًا، أود الختم بجملة كانت تتكرر كثيراً على ألسنة رجال الأمن آنذاك: “معندكش لاكارط؟ طلع!” (ليست لديك بطاقة؟ اصعد!)