ماهر رزوق
ماهر رزوق

د

عن مجتمعات المتعة

يتقاضى لاعب كرة القدم أموالاً طائلة مقابل أن يلاحق كرة تتدحرج على الأرض، محاولاً إدخالها في شبكة!

يتقاضى المغني أموالاً طائلة أيضاً، مقابل أن يفعل ما يفعله أغلبنا كل يوم أثناء الاستحمام أو الطبخ أو تنظيف المنزل: مقابل أن يغني!

يتقاضى الممثلون أموالاً طائلة مقابل أن يحفظوا نصاً معيناً و ينطقونه بطريقة معينة، ويقومون بتأدية بعض الحركات أمام الكاميرا: مقابل أن يمثلوا…

يتقاضى الكثيرون أموالاً طائلة مقابل أن يقوموا بأشياء عادية ممكن أن نقوم بها أغلبنا، لكنهم يفعلونها بشكل أفضل ربما، فلماذا يحصلون على هذا الكم من الأموال الهائلة مقارنة بالأطباء والممرضين والعلماء والعمال والموظفين العاديين!

الجواب ببساطة لأنهم يقدمون المتعة والتسلية!

فمجتمعات اليوم هي مجتمعات المتعة بامتياز: التسلية مقدسة والملل هو الخطيئة الكبرى!

من يستطيع أن يقدم المتعة، حتى لو كان ذلك من خلال التحصّل على المتعة، كما يفعل ممثلو البورنو أو الرياضيين أو المغنيين، فإنه يستطيع أن يحصل على أعلى دخل ممكن بسهولة!

لقد وصلنا إلى مرحلة الانغماس التام بكل أشكال المتعة التي تحيط بنا في كل مكان، فالمتدين وغير المتدين، المستقيم والمثلي، المتعلم وغير المتعلم، الرجال والنساء، الكبار والأطفال، المشاهير ومتابعينهم… كلنا نحاول أن ننتهي من الضروري بسرعة لننتقل إلى عملية البحث الطويلة والمستمرة من الصباح حتى المساء وكل يوم عن المتعة!

يتّهم بعضنا الآخرين بأنهم أكثر انغماساً في عملية البحث هذه، بينما يلومنا الآخرون على التقصير بحق بأنفسنا وحرمانها من المتعة الضرورية للشعور بالسعادة!

هل فعلاً أن المزيد من المتعة ستؤدي إلى السعادة، ومن ناحية أخرى: هل فعلاً أن الإكثار من المتعة هو الطريق المختصر نحو التعاسة؟

يبقى السؤال مفتوحاً…