زيد الشريف
زيد الشريف

د

فر/عون

من حجاوي{١} تهامة{٢} التي تناقلتها الألسن؛ جيلاً بعد جيل، وحملتها الركبان؛ من حي إلى آخر، قولهم: ” فيما مضى من زمن [كان هناك رجلٌ من أهل وادي حَلي{٣} يقال له (عون) وقد  تسبب بالكثير من المشكلات لأهل الوادي؛ فما كان منهم إلا أن شكوه لأميرهم. 

فلما وصل الخبر إلى (عون)؛ قرر الفرار .

وتستمر بنا (الحجوية) فتقول: ” وقد شد (عون) السير هربًا من الحاكم -الذي أقسم أن لا يتركه حيًا- فلم يقف إلا بين أحضان (النيل).

ليسكن (مصر) ويعرف بين أهلها بـ(فر/عون) أي (عون الهارب).

وبعد..

فإنه من المعلوم لدى علماء (المصريات)، والمهتمين بها- ولست منهم في شيء- أنه لا يمكن الجزم بقولٍ فصل فيما يتعلق بشخصية (فرعون موسى)؛ وأن كل ما قيل، ويردد حيال ذلك؛ لا يعدو عن كونه مجرد فرضيات ليس أكثر.

وأشهر فرضيةٍ في هذا الباب؛ تلك التي تدعي أن (رمسيس الثاني)  هو فرعون موسى.

وهذه المقولة منتشرة بين الناس؛ إنتشار النار في الهشيم 

لكنها -علميًا- لم تتعدى مرحلة الفرضية؛ التي لاترتكز على أي أساس علمي{٤}

ومن أدلة اتساع  فجوة الخلاف حول شخصية (فرعون موسى) الجدل المستمر بين من يرى أنه -أي فرعون- (اسم علم) يدل على شخص بعينه؛ وبين من يرى أنه  (لقب) حكام مصر القديمة.

ولعل من آخر الدراسات في هذا الباب؛ التي ترجح كون (فرعون) اسم علم لرجل بعينه؛ تلك الورقة البحثية التي قدمها الدكتور/ مصطفى وزيري، -مدير  آثار الأقصر- أمام عدد من الطلاب الأجانب القادمين لمصر.{٥}

وتخلص تلك الدراسة إلى القول بأن (فرعون) اسم لرجل من (الهكسوس) الدين حكموا جزء من مصر في فترةٍ من الفترات 

ولو أننا أخذنا بهذا القول؛ أمكننا استنتاج الأتي …

الهكسوس من الشعوب البدوية ؛ وقد قيل في أصلها رأيين.

 الأول/ أنهم عبارة عن خليط ؛ من الشعوب الآرية، التي هاجرت من (بحر قزوين ) باتجاه الغرب، إضافة إلى بعض الشعوب الأسيوية  التي انضمت  إليهم؛ كالعرب -البائدة- وغيرهم.

 الرأي الثاني/ أن الهكسوس ما هم إلا  شعب من العرب -البائدة- الدين كانوا يمتلكون حضارة عظيمة؛ أثرت الحياة المصرية القديمة بالكثير من الابتكارات، وأن دخولهم إلى مصر -أي هذه القبائل العربية(الهكسوس)- بدأ بشكل سلمي، على هيئة هجرات سكانية؛ وجدت الترحيب من ملوك مصر وأهلها؛ ثم تطور بهم الأمر ليحكموا أجزاءً منها

وأيًا يكن الرأي الصواب في حقيقة شعب الهكسوس؛ فإن رجلاً كـ(عون) بطل (حيويتنا)؛ يمكنه أن يتسلل إلى الحكم في كلا المجتمعين، وذلك وفق وجهة النظر  الأتية..

 أن المجتمع الأول -الخليط- مجتمع هش، لا يملك عصبيةً تمنع الغير من الاندماج فيه. وانظر إلى التاريخ ترى أمثلةً توضح لك؛ كيف أن المجتمع المتعدد؛ مجتمعٌ يمكن أن يحوز فيه المجد  من لم يظن به أخدٌٌ ذلك! ودونك (كافور الإخشيدي) شاهدٌ ودليل، ولا ننسى (أوباما) المعاصر لنا!

أما  إذا قلنا أن الهكسوس؛ محض عرب خلص؛ فإن إندماج (عون) -ابن جلدتهم- بينهم لن يكون بالأمر الصعب، بل  و سيحظى بكل الدعم وسط مجتمع الأقلية، الذي يحتفظ بسمة الترابط إلى اليوم.

وختامًا …

فليس هذا بالبحث العلمي: إنما هو مجرد دردشة في رحاب حجوية تهامية. والسلام.

همسة..

” لعنة الله على فرعون”

————————————————————-

{١} الحجاوي* جمع حجوية، وهي الحكايات التي تنقل على ألسنة الحجاج. وقد يدخل فيها غيرها من حكايات أهل البلد الأصلية، كما في قصتنا.

{٢} تهامة* هي السهل الساحلي المحاذي للبحر الأحمر بين أقاليم الحجاز واليمن غرب شبه الجزيرة العربية. وتهامة من أسماء مكة المكرمة. وأشهر مدن ساحل تهامة في الوقت الحالي: جدة، ينبع، الليث، القنفذة، جازان، الحديدة، زبيد. وينسب إليها النبي صلى الله عليه وسلم فيقال (النبي التهامي)

{٣} حلي* بفتح الحاء المهملة وكسر اللام فياء مثناه تحته مشددة وادٍ فيه قرى وإمارة تابعة لإمارة منطقة مكة المكرمة.

وقد زاره الرحالة (ابن بطوطة) فقال عنه:وهي كبيرة حستة العمارة يسكنها طائفتان من العرب وهم بنو حرام وكنانة وجامع هذه المدينة من أحسن الجوامع وفيه جماعة من الفقراء المنقطعين إلى العبادة منهم الشيخ الصالح العابد الزاهد قبولة الهندي لباسه مرقعة وقلنسوة لبدوله خلوة متصلة بالمسجد فرشها الرمل لا حصير بها ولا بساط – ولم أر بها حين لقائي له شيئاً إلا إبريق الوضوء وسفرة من خوص النخيل فيها كسرة شعير يابسة وصحيفة فيها ملح وسعتر فإذا جاءه أحد قدَّم بين يديه ذلك ويسمع به أصحابه فيأتي كل واحد منهم بما حضر من غير تكلف شيء – وإذا صلوا العصر اجتمعوا للذكر بين يدي الشيخ إلى صلاة المغرب وإذا صلوا المغرب أخذ كل واحد منهم موقفه للتنفل فلا يزالون كذلك إلى صلاة العشاء الآخرة فإذا صلوا العشاء الآخرة أقاموا على الذكر إلى ثلث الليل ثم انصرفوا ويعودون في أول الثلث الثالث إلى المسجد فيتهجدون إلى الصبح ثم يذكرون إلى أن تحين صلاة الإشراق فينصرفون بعد صلاتها ومنهم من يقيم إلى أن يصلي صلاة الضحى بالمسجد وهذا دأبهم أبداً ولقد أردت الإقامة معهم باقي عمري ولم أوفق لذلك والله تعالى يتداركنا بلطفه وتوفيقه.

{٤} https://www.google.com/amp/s/m.youm7.com/amp/2020/5/14/%25D9%2587%25D9%2584-%25D9%2586%25D8%25B3%25D8%25AA%25D8%25B7%25D9%258A%25D8%25B9-%25D8%25A3%25D9%2586-%25D9%2586%25D8%25AB%25D8%25A8%25D8%25AA-%25D8%25A3%25D9%2586-%25D8%25B1%25D9%2585%25D8%25B3%25D9%258A%25D8%25B3-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AB%25D8%25A7%25D9%2586%25D9%2589-%25D9%2587%25D9%2588-%25D9%2581%25D8%25B1%25D8%25B9%25D9%2588%25D9%2586-%25D9%2585%25D8%25B5%25D8%25B1/4773929

{٥} https://www.google.com/amp/s/m.youm7.com/amp/2016/4/10/%25D9%2585%25D8%25AF%25D9%258A%25D8%25B1-%25D8%25B9%25D8%25A7%25D9%2585-%25D8%25A2%25D8%25AB%25D8%25A7%25D8%25B1-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25A3%25D9%2582%25D8%25B5%25D8%25B1-%25D9%258A%25D9%2581%25D8%25AC%25D8%25B1-%25D9%2585%25D9%2581%25D8%25A7%25D8%25AC%25D8%25A3%25D8%25A9-%25D9%2585%25D8%25AF%25D9%2588%25D9%258A%25D8%25A9-%25D9%2581%25D9%2589-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AA%25D8%25A7%25D8%25B1%25D9%258A%25D8%25AE-%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2585%25D8%25B5%25D8%25B1%25D9%2589/2668787