زيد الشريف
زيد الشريف

د

دردشة عن أم كلثوم

{النجمة الصاعدة (أم كلثوم) “سعيدة جدًا بهذا التعاون الأول مع النجم (حموبيكا)}

………………..

يا مساء الجمال..

أولاً لا تنزعج… ثم إني اشترط عليك، إن أردت إكمال المقال؛ أن تمحو كل المعلومات، وجميع الصور الذهنية التي تبادرت إلى ذهنك اللحظة؛ عن (كوكب الشرق).

هل محوت كل شيء.. هل قذفت بذاكرتك الطربية إلى متاهات النسيان-القريبة نسبيًا-؟!

اتبعني إذًا..

…………….

في عام ٢٠٠٠م ولدت الطفلة (فاطمة محمد) لأب يعمل في الغناء الشعبي (المصري). 

وفي يوم من الأيام.. من عام ٢٠٠٩م -تقريبًا- وبينما كان الأب، يحاول تعليم ابنه -سقيق فاطمة الأكبر- كيفية أداء بعض الألحان الشعبية التي يكثر الطلب عليها عادةًً؛ في الأفراح، والليالي الملاح… إذ بفاطمة -ذات التسعة أعوام- تدخل على الخط بصوتها الجهوري.

كان أداؤها؛ ممتعاً حد الكمال، رغم أنها لم تتعلم ذلك اللحن- ولا غيره- من قبل!

فما كان من الأب إلا أن يصمت، ويقبض بيده على فم الولد؛ بعد أن أخذت الدهشة تملأ عليه روحه؛ من ذلك الصوت الذي أزهر في جوف فاطمة؛ فشنف الآذان، وحرك الأبدان!

ومع القليل من التدريب؛ استطاعت (الطفلة) أن تتقن كل ما يلقى عليها من الألحان؛ بل وتضيف لها  رونقًا آخر أكثر جاذبيةً، وزهوا؛ مما جعل الطلب يتزايد عليها بشكل كبير، إلى الحد الذي صيرها بين ليلة، وضحاها؛ مصدر الرزق  الرئيسي للعائلة.

وقد لعب الحظ معها لعبته -كما تكرر هي دائمًا-  لتتعرف -في إحدى الحفلات- على الفنان الشعبي الكبير (شعبولا) الذي أعجب بصوتها فقام بتقديمها للساحة الفنية.

……………..

وبعد، فيمكنك الآن أن تستعيد تفاصيل (أم كلثوم) التي تعرفها..

ولتعلم أن ما ذكرته بالأعلى كاد أن يكون هو الحكاية الحقيقة لـ(فاطمة محمد) التي اشتهرت بعد ذلك بـ(أم كلثوم) لولا الزمان والمكان الذي وجدت فيه!

ماذا أقصد؟

لاشيء غير ما تبادر إلى ذهنك قبل أن نصل إلى هذه النقطة من المقال!

إننا يا عزيزي؛ محض كائنات تفاعلية، لمحيطها تأثير ملموس عليها بصورة  كبيرة، محيرة أحيانًا!

ولا مفر سوى العيش مع الآخرين، ولن نزهر إلا بهم، ومعهم، ولهم.

لكن… هل لنا أن نزهر بالمختلف عنهم؟

ليس الأمر بالصعب؛ لكنهم لن يعدوه زهرًا، بل شيء آخر، قبيحًا ربما!

وأنظر إلى بدايات (أم كلثوم) -الحقيقية- تجد ما أقصد.

في بداياتها حاولت (أم كلثوم) أن تقلد الفنانة ( منيرة المهدية) -أشهر فنانات ذلك الوقت-  فصارت على دربها؛ بأغنيتها التي لم يعد أحد يذكرها اليوم. تلك الأغنية التي تقول فيها الست(  الخلاعة والدلاعة مذهبي…)!

لكن الحياة -يومها-  كانت تجري في اتجاه مختلف؛ (الحرب العالمية) (التوسع الحاصل في الطبقة المصرية الوسطى) ثم (حركة الضباط الأحرار) و(الحروب مع اسرائيل) وغيرها من الأحداث التي جعلت من المجتمع الذي تتحرك فيه (أم كلثوم) ومن أجله؛ مجتمعًا صارمًا، جديًا إلى حدٍ كبير؛ مما ساعد على أن تتشكل بين جنباته؛ صورة (الست)، التي أضحت رمزًا للفن الجاد، بعد أن حظيت بمطبخ فني لا مثيل له؛ استطاع أن يكيف موهبتها الجبارة، ويحسن استخدامها بشكلٍ استثنائي يصعب أن يتكرر 

لقد تضافرت كل مقومات الإبداع لتلك الفتاة الريفية؛ بشكلٍ يجعلنا عندما نستمع إلىها؛ فإننا لا نشعر بعظمة صوتها فقط؛ بل نستشعر-في فنها- ذلك المجتمع الذي استطاع أن يصقل هذه الجوهرة الفاتنة، و أن يخرج منها أفضل ما يمكن إخراجه.

همسة..

“اِبحث عن المكان الذي تُزهرُ فيه”.