عبدالله الأحمد
عبدالله الأحمد

د

لي مشهدي الخاص

لكل تلك الطرق التي مررت من خلالها مرارًا وربما لمرةٍ واحدة، لابد أنّها عبرت من خلال روحك؛ إما لصالحك أو غير ذلك. وتلك الأيام والمراحل التي ولّت، وأولئك الأشخاص، لهم جميعا نصيبا من هذه الذاكرة التي كانت شريكة الروح في تكوين واحتواء تلك الذكرى حتى وإن كانت لا تسرّ النفس، لا تستطيع الذاكرة أن تلغي حضورها إلّا بعدم إعطاءها أي فرصة لاجترار بعض تلك اللحظات.

يقول درويش: “ولي ذكريات/ ولدت كما تولد الناس/ وبيتٌ كثير النوافذ/ لي إخوة، أصدقاء، وسجن بنافذة باردة/ ولي موجةٌ خطفتها النوارس/ لي مشهدي الخاص”. لا تعقيب هنا إلّا عن هذا الشطر الأخير الذي ذكره الشاعر. “لي مشهدي الخاص”. تلك الحياة واللحظات التي مرّت على ظهر هذا الزمن لكنها لا تفارق هذا الكيان الإنساني أبدًا. في موجة الشغل والحياة اليومية، وقائمة الانتظارات. عند الجميع باختلاف الآماد، ليس هنالك شخصٌ لم يواجه تلك الذكرى التي تأخذه في لحظة مما بين يديه.

لي مشهدي الخاص في وسط معمعة الحياة، وانتظارات كل تلك الصالات والأماكن وحتى أضيق المساحات، لي مشهدي عن اللحظة أو الذكرى التي تداهمني وأنا خلف مقود السيارة لتعيدني لكل تلك الطفولة التي لا شيء فيها سوى مطاردتي إلى أين تذهب تلك الطيور، أو لمعرفة ما الذي تختبئ منه الشمس وإلى أين تذهب، ولماذا لا يستمر الجفن ثابتا دون حراك، وما الصورة السوداء التي تُظهِر لحظة إقفال عينيّ للنوم، وبطولاتي التي لم تعش طويلا معي، ولم يكن لها أي جماهير. كل تلك ذكريات عصفت بي وأنا في مكتب، أشاهد من نافذته في الطابق العاشر أطفالًا يلعبون.