دانية عوض
دانية عوض

د

قراءة في كتاب “الإنسان يبحث عن المعنى”١

اسم الكتاب : الإنسان يبحث عن المعنى

المؤلف : فكتور فرانكل

دار النشر: دار القلم 

سنة النشر :١٤٠٢ هـ/١٩٨٢ م

عدد الصفحات :٢٠٩

كاتب يجسد مشهد فضيع بصورة تدَبُريّة،  وكأنك تذهب معه إلى أجواء المعسكر معسكر الإعتقال النازي حيث الإعدام بالغاز والجوع و التكدس البشري، و تدخل مع الأحداث إلى واقع عاشه وكأنه يريك الواقع لكن بعين محلل نفسي يستشهد بالأحداث التي مر بها ليوضح نظريته ، “العلاج بالمعنى”

الطبيب النفسي الذي اتلف – ولده الروحي – كتابه كل ما يملك من أفكار لحظة دخوله للمعسكر من أجل أن يحافظ على حياته..

تدخل معه في مشاعره حيث يصف بكل صدق ذاك الجو في وطأة المعسكر والجوع وعدم وجود الحيلة يصف كيف أن مشاعره كانت غريبة حين رأى جثة شخص كان قبل دقائق حياً ملقاة أمامه وهو يأكل .!!

والمشهد حين صام الجميع يوماً كاملاً من أجل أن لا يكشفوا هوية صديقهم الذي سرق بطاطاً، وفي ذات اليوم حين كانت الغرفة ممتلئة بأشخاص جوعى والأجواء مشحونة اغلقت الكهرباء كي يزيد الظلام ملابسات أكثر على سوء يومهم …

لكن العجيب هو الحدث بعد ذلك  لكني لن اذكره هنا ، والآن حين اتأمل الحدث في نفسي أشعر أنه لطف الله بهم ..

الذي جعل الأنوار تطفأ في تلك اللحظة، وحين يحكي كذلك عن البلادة وعدم شعورهم بأشياء الإنسان الطبيعي لا يتحملها ،، كذلك هو لطف ﷲ به

ماذا لو كان ألمهم الشديد من جراء رؤية ضرب متواصل أو موت 

يكرر نفسه كل مرة بنفس حجم الألم 

وصف حالتهم بعد ذلك :

وحينما زالت الطبقات الأخيرة من الشحم الموجود تحت الجلد ، وصرنا أشبه بالهياكل العظمية المغطاة بجلد وخرقة بالية، كنا نلحظ كيف أن أجسامنا قد بدأت تلتهم نفسها وأخذت في التلاشي والإنعدام. فقد أخذ الجسم يستهلك مافيه من مخزون البروتين وبدت العظلات بالظهور والاختفاء ومن ثم لم يعد للجسم قوة للمقاومة .

وصار أفراد جماعتنا يتساقطون موتا واحداً تلوا الآخر .

ص٥٤

تحدث عن الأنا والقيم وأنهما كانت المعطيات أن يضحوا بكل شيء من أجل غاية أن يحتفظ الشخص بنفسه وأصدقائه المقربين على قيد الحياة .

وأضاف

 فتحت تأثير هذا الذي لم يعد يعترف بقيمة الحياة الإنسانية والكرامة الإنسانية. والذي قد سلب من الإنسان إرادته وجعله عرضه للإبادة تعاني الأنا في النهاية عن الشخص من فقدان القيمة . وإذا لم يكافح الإنسان في معسكر الإعتقال ضد ذلك ، فإنه يفقد الشعور في كونه فرداً، وكائناً له عقل له حرية داخلية وله قيمة شخصية . فهو عندئذ يعتقد أنه ليس إلا جزء من حشد هائل من الناس ،فيهبط وجوده إلى المستوى الحياة الحيوانية ..

ص٧٧

ووصفهم بأنهم كانوا يساقون كأنهم قطيع مجرد من أي تفكير ، لكن هناك أشخاص لم يفقدوا الوعي بقيمتهم الداخلية .

أما الوعي بالقيمة الداخلية للفرد فقد صار يعلو في أشياء أسمى وأكثر روحية ، ولا يمكن أن تهزها حياة المعسكر ولكن كم من الأشخاص المسجونين يمتلك ذلك الوعي .؟

ص٩١

رغم كل مظاهر الإنحطاط الجسمي والعقلي للحياة في معسكر الإعتقال ، إلا أنه كان من الممكن للحياة الروحية أن تقوى وتعمق . أما الأشخاص الحساسون الذين تعودوا على الحياة العقلية الغنية ربما قد عانوا الكثير من الألم ( وغالباً ما يكون تكوينهم رقيقاً) ، إلا أن درجة تعرض ذواتهم الداخلية للأذى كانت أقل .فكان في مقدورهم أن يتخلوا عن الواقع المفزع المحيط بهم إلى حياة الثراء الداخلي والحرية الروحية . وبهذه الطريقة فحسب يمكن تفسير التناقض الظاهري بأن بعض المسجونين ذوي التكوين النفسي الأقل  قدرة على الإحتمال قد أبدوا غالباً قدرة على معايشة حياة المعسكر بدرجة أفضل من أولئك الأشخاص ذوي الطبيعة القوية .

ص٦١

الشيء الذي شدني أنه وصف أنهم تخلوا عن الواقع المفزع المحيط بهم .!كيف يذكر ذلك رغم أنه لاحقًا نبه على خطورة أن يتخلى الإنسان عن واقعه .؟

لكن هناك خطورة في تجريد الحاضر من واقعيته و سلبه هذه الواقعية ، مع اعتبار وجودنا الوقتي على أنه وجود غير واقعي كان علامة على جعل المسجونين يفقدون تمسكهم بالحياة . ونسي أولئك الأشخاص أن ذلك الموقف الخارجي  البالغ الصعوبة هو في الغالب ما يمنح الإنسان الفرصة لكي ينمو معنوياً فيما وراء ذاته .

فبدلاً أن يأخذوا صعوبات المعسكر كاختبار لقوتهم الداخلية ، فإنهم استخفوا بحياتهم .

فحيث يواجه الإنسان أمراً مقدراً لابد من وقوعه تكون هناك فرصة تحقيق شيء من خلال المعاناة.

ص٩٧

أو ربما طريقة معينه صحية للتخلي عن الواقع

هل يقصد أننا يجب أن لا نبتعد عن الواقع واقع معاناتنا ، لكن ربما أن نخرج منه بنظرة تخيّلية أفضل عنه رغم كونه موجود وحاصل .؟

ذكرني حديثه بالعلاج بالتفكير الواقعي

والطبيعة الإنسانية التي خلقها الله ، كلما تعلمت شيئاً جديداً عنها وعن ملابساتها وتقلبات نتائجها لا يأتي في البال إلا أن تؤمن أكثر وتتعرف على خالقك أكثر

لأنه من الصعب جداً مهما قرأت في علم النفس وغيره أن تتوقع أو تتنبأ عن الإنسان 

ولا عن نفسك ، لكن ربما تفهمها قليلاً !

التعامل مع الإنسان يشبه التعامل مع الظلام

إذا كنت في ظلام لا ترى شيئً ولا تعلم ماهو المخرج ولا المدخل 

ليس لديك غير نفسك تسمع صوتها وتعلم كيف تحركها لكن إلى الآن أنت في ظلام دامس .. ماذا ستفعل وقتها ؟ غير أن تدعو ﷲ أن ينجيك من الظلام 

وتسير بكل جهدك متحسساً مخرجاً صحيح

وقتها لن تندم أنك وقفت ولن تلوم الظلام لأنه موجود

سواء نجحت أو لم تنجح في إجاد النور 

سيضل فخرك بنفسك أنك سرت المسافة كلها مُحاولاً 

مُحاولاً إجاد النور 

نور المخرج 

وقتها لن تسأل كيف دخلت  !

فقط ستحمد ﷲ على أنك خرجت .

يتبع ..