هيثم عمر
هيثم عمر

د

أستاذ الـ”غو”

ياسوناري كاواباتا روائي ياباني ثمن أعماله بجائزة نوبل للأدب عام 1968، ليصبح بذلك أول أديب ياباني يحصل عليها. فكتاباته الراقية الممزوجة بالشعر والغموض. ارتقت به حتى أصبح علماً بارزاً في عالم الأدب العالمي والياباني.

له العديد من المؤلفات مثل: راقصة آيزو؛ عصابة أوساكو القرمزية؛ بلد الثلج؛ أستاذ الـ “غو”؛ البحيرة؛ وذراع واحدة، وغيرها الكثير…

اعتبر ياسوناري كتاب أستاذ الـ” غو” أفضل وأنقى ما خطه خلال مسيرته الروائية… يروي من خلالها أحداث مباراة الـ ” غو ” الأخيرة للأستاذ (شوساي)، الذي يعد أسطورةً في لعب الـ ” غو “. مباراة الاعتزال التي وقفت أمامها الدنيا بحالها… وأعاقتها النفس بكسلها والجسد بالأسقام والأمراض… معركة كان أطرافها العجوز المتمكن والشاب الوارث للقب الأستاذ، والدنيا…

انتهت المباراة بهزيمة الأستاذ أمام الشاب والدنيا، ووفاته بعدها بسنة…

“جدير بك أن تسألني إن كنت سأعيش حتى ذلك الوقت”

أجابني وكأنه يكشف أحد أسراره. ” يبدو غريباً أنني بلغت هذا المدى. لست ذلك المفكر، ولست أملك ما تستطيع تسميته معتقدات.”

{ أستاذ الـ”غو”، 93 }

والـ”غو” لعبة تلعب على لوحة منقسمة بتسعة عشر سطراً قائماً وتسعة عشر سطراً تقطعها في زوايا قائمة. وفي لعبها يتبادل لاعبان في وضع أحجار من لونين على الرقعة.

لعبة تشابه في منظرها الخارجي، واعتماداً على الشرح المبسط والسطحي الذي قدمته آنفاً، لعبة الشطرنج. إلا أنها أكثر تعقيداً بكثير، ولو قضيت دهراً في دراسة خططها وأساليب لعبها المتعددة والمتنوعة، لما ألممت إلا بالشيء القليل منها…

تحكي الرواية بأسلوب سرد ذاتي يتخلله نفحات من جمل الصحافة والمجلات الساعية بتسليط كُتّابها إلى إثارة الجدل والحماس حول كل شيء، مهما عظم أو صغر شأنه…

فياسوناري يروي بأسلوبه – الذي تشكل بعضه خلال عمله في الصحافة – مباراةً شبه خيالية عنونت ” باعتزال الأستاذ، والكشف عن الخليفة الشاب”، غير مكتفٍ بالتعليق على المباراة التي دامت طويلاً، واستنزفت طاقات كل من شارك فيها أو شاهدها أو قرأها، وخاصةً هو مراسل الصحيفة التي تكفلت بنقلها عبر سلاسل أو حلقات تنشر دورياً في الصحيفة، لإشباع تعطش محبي الـ”غو” من قراء الصحيفة…

” منذ أن بدأت في تغطية مباراة ترعاها صحيفة، ما تحتم علي إثارة الفضول. بشيء من الزركشة الضرورية. هناك فرصة في أن يتمكن قرائي الهواة من فهم جماليات الـ”غو” الأكثر حساسيةً، وتوجب علي خلال ستين أو سبعين حلقةً أن أجعل مادتي الأساسية مقتصرةً على شرح الطريقة والمظهر والملامح والسلوك العام لللاعبين.”

{ أستاذ الـ”غو”، 139- 140 }

أنا وبمعرفتي السطحية بالـ”غو” كثقافة وفن ولعبة، وجدت صعوبة في فهم الأحداث وتطورها، وعلقت بين الأحاسيس المختلطة، كالغضب والندم والفرح الذي اعتلا كل لاعب ومشاهد مع كل حركة…

فــ” الأبيض 130 ” أو ” الأسود 99 ” مثلاً لا يعنيان لي أي شيء، ولا يمثلان تحدياً أو بوادر نصر وخسارة.

لكنني قفزت فرحاً متأثراً بدقة وكثافة الوصف وحالة الامتزاج والانسياب الذي اتخذتها نفسي لما انطلقت إلى عالم الرواية هذه، وارتفع مستوى الحماس والترقب عندي مع كل استراحة أو توقف أو ترقب لحركة فاصلة قد تقلب ميزان المعركة…

” في هذا الوقت كنت قادراً على الشعور بالاهتمام بالمباراة فقط بل الإحساس بالـ”غو” كفن، وذلك لأني اختزلت نفسي إلى نقطة اللاشيء وأنا أحملق في الأستاذ.”

{ أستاذ الـ”غو”، 140 }

فأستاذ الـ”غو”، لم تكن رواية خياليةً أو نقلاً للواقع أو مقالاً صحفياً أعدت فصوله لتثير القارئ دون صدق أو خيال راقٍ…بل هي مزيج من هذا كله…

سيرة ذاتية تخلد الأستاذ بمشاعره وأحاسيسه والأسقام التي ألمت به خلال المباراة في التاريخ…ليذكره الناس، متفهمين لظروف خسارته، دون إلقاء اللوم على منافسه الشاب أو احتقار فوزه. فلن تخلو سيرة الأستاذ من نفحات من حياة منافسه الشاب…ولا توصف الرواية بالجمال إلا للغتها الساحرة وتصويراتها الفذة، البعيدة عن الإطالة أو التقصير في حق مشهد أو شخصية…بالإضافة إلى “بهارات” وزخارف لا يمكن للصحفي أن يغفلها أو يتناساها خلال نقله للأحداث…

كانت الإسقاطات المتعلقة بالحرب ومآسيها قليلةً وسطحيةً جداً…وبعيدة عن القارئ الجاهل بتاريخ وظروف كتابة الرواية أو تاريخ كاتبها وظروفه حتى…فهي كما رأيتها ودون الاطلاع على ظروف الكتابة…نقل مبدع من الذاكرة للمعركة الأخيرة للأستاذ، ورواية رائعة بكل المقاييس…