فادي عمروش
فادي عمروش

د

قراءة في كتاب التسويق 4.0

يأتي كتاب التسويق 4.0 للمؤلِّف الشهير وعرَّاب التسويق فيليب كوتلر (Philip Kotler) في إصدار جديد يحاكي ما وصل إليه التسويق في العصر الرقمي. الكاتب فيليب كوتلر غني عن التعريف، وصنَّفته فاينشانل تايمز على أنَّه رابع أفضل مفكِّر على مستوى العالم في الإدارة، وهو المؤلف الرئيس لكتاب التسويق 4.0، ومن الجدير بالذكر أنَّ له  نحو 79 كتاب منذ عام 1967 وحتى عام 2020.

يتميز كتاب التسويق 4.0 في جمعه السلس بين دقَّة ورقي التنظيم، وبين الأفكار العملية المبسَّطة، فهو موجَّه للمتخصِّصين وللمديرين التنفيذيِّن ولعموم المهتمِّين في مجال التسويق، ويتميَّز أيضاً بفسحة تأمُّل في نهاية كل فصل تدفعك مباشرةً إلى التطبيق العملي لكل ما تعلمته.

يتألَّف الكتاب من ثلاثة فصول؛ يمهِّد الكاتب في الفصل الأول للظواهر التي دعت إلى خلق مفهوم التسويق الحديث، ثمَّ يعيد صياغة هذه الظواهر في الفصل الثاني بلغةٍ تسويقيَّةٍ لطيفةٍ، ويختم الفصل الثالث بتطبيقاتٍ عمليةٍ في غاية في الروعة والبساطة ليقدِّم الكتاب لمحةً شاملةً عن تسويق الجيل الرابع.

ناقش الكتاب الرائع رامي عيسى في حديث رائع شرح فيه أهم أفكاره ومنه نقتبس بعضاً من هذه الأفكار التي تلخِّص أهم ما جاء به كوتلر في كتابه هذا.

تطوُّر التسويق عبر الزمن

يبدأ الكتاب بتوضيح الفرق بين التسويق والمبيعات، فبينما تركّز المبيعات على الأرقام والسيولة النقدية على المدى القصير من رتبة اليوم والشهر، يركِّز التسويق على بناء الثقة بالعلامة التجارية على المدى الطويل أي نحو سنة أو أكثر. تأتي أهمية توضيح هذا الفرق الواضح بين مفهومي التسويق والمبيعات -الذي ربَّما يغيب عن ذهن الكثيرين- في تلازمهما لفترةٍ طويلةٍ من الزمن في الأدبيات التجارية فهما مصطلح واحد.

ينتقل كوتلر بعد ذلك لسرد تطوُّر التسويق من بدايته وصولاً إلى الجيل الرابع التسويق 4.0، إذ ركَّز الجيل الأول حسب كوتلر على جودة المنتجات ليكون طريقة للتسويق لها دون الاهتمام بالترويج المباشر، ولكن عندما زاد الإنتاج وأصبح العرض أكثر من الطلب وزادت المنافسة؛ نشأ مفهوم الإعلان أو ترويج المنتجات الذي شكَّل الجيل الثاني من التسويق، أمَّا الجيل الثالث من التسويق فظهر بظهور الانترنت عندما بدأ الناس بوضع آرائهم حول المنتجات ضمن المنتديات مَّما أدَّى إلى خلق تسويق يركِّز على رضا الزبون، ثمَّ ظهر أخيراً تسويق الجيل الرابع بظهور شبكات التواصل الاجتماعي الذي يركز على التعامل مع عاطفة ومشاعر الزبون.

من التسويق التقليدي إلى التسويق الرقمي

تكمن حِرفية المسوق بتضافر خبراته بالتسويق التقليدي مع خبراته في التسويق الرقمي ومعرفة أهمية كلا النوعين، إذ لا يُعطي التسويق الرقمي النتيجة المرجوة وحده فكما أنَّ له العديد من الإيجابيات يملك العديد من السلبيات أيضاً.

يمكن اعتبار التسويق الرقمي مثل القوة (الأس) في الرياضيات، أي مضخِّم يزيد من الصورة الإيجابية أو السلبية للعلامة التجارية، ويوفِّر الموارد المالية والبشرية عند العمل به بشكل صحيح. يساعد التسويق الرقمي على بناء الثقة مع الزبائن وترسيخ ثقافة رضا العميل وإفادته لا بيعه فقط.

يطرح الكتاب العديد من أشكال التسويق نذكر منها:

التسويق بالمحتوى

يوضح التسويق بالمحتوى فائدة المنتج ومميزاته ويجذب العميل إليه دون إعلانٍ فعليٍّ واضحٍ عبر حل مشكلات العميل ونشر محتوى يقدِّم فائدةً حقيقيةً ملموسةً ونصائح إرشادية تحوي إشارات خفيفة إلى المميزات التي يحتويها منتجك.

التسويق الإنساني

يركِّز التسويق 4.0 على حاجة الزبون وتلبيتها لا على السلعة وبيعها، وهذا يأخذنا إلى مصطلح  “أنسنة التسويق” التي تعني التقريب بين السلعة والعميل عبر خلق رابطة غير مرئية أساسها الفائدة وحل مشكلات العميل ممَّا يعزِّز من ولاء العملاء للشركات المصنَّعة.

يتمحور التسويق الحالي على حسب الكتاب حول التسويق الإنساني أي التعامل البشري المباشر بين العميل ومديري العلامة التجارية مثل الرد على الإيميلات بشكلٍ عفويٍّ إنسانيٍّ بعيداً عن الردِّ الآلي، حتَّى في مواقع التواصل الاجتماعي من الأفضل أن يكون الرد على الزبون من الحسابات الشخصية للموظَّفين ممَّا يضفي ألفةً وقرباً أكبر من العلامة التجارية.

معايير خلق العلامات التجارية الإنسانية

يضع فيليب كوتلر أربعة معايير لخلق العلامات التجارية الإنسانية:

  1. علم النفس الرقمي (Digital Anthropology)، ويتمثَّل في الاستفادة من الصلة الوثيقة بين الانسان والتكنولوجيا عن طريق استهداف الفئات العمرية الصحيحة بالسلعات الصحيحة تبعاً لعمليات الإحصاء المأخوذة من قراءة تفضيلات المستهلك حسب الفئة العمرية.
  2.  الإصغاء الاجتماعي، وهو التسويق من ندٍّ إلى ندٍّ، نحتاج هذا النوع من التسويق مع المنتجات مرتفعة الثمن فعندما يدفع الشخص مبالغ طائلة في شراء السيارات والمجوهرات فهو يحتاج إلى مسوِّقٍ شخصيٍّ له ليشجعه بشكلٍ مباشر على الشراء.
  3. دراسة الأعراق البشرية بواسطة الانترنت (Netnography).
  4. بحوث التقمص والتعاطف، يحاول المسوّق من خلال هذه الأبحاث تقمُّص شخصية المستهلك لفهم حاجياته ومشكلاته وبالتالي قراءته قراءة كاملة متكاملة، ممَّا يمكِّنه من ترويج المنتج بلغةٍ تناسب فهم العميل والإضاءة على المميزات التي ربَّما تشدُّه نحو المنتج.

السمات الأساسية للعلامة التجارية الإنسانية

إنَّ السمات الأساسية للعلامة التجارية الإنسانية حسب الكاتب ستيفين سامبسون في كتابه القادة من دون ألقاب هي:

  1. السمات الجسدية أي عوامل الجذب الماديَّة للعلامة التجارية، وتأثير رمز العلامة في نفسية المستهلك التي تتحقَّق عبر الاستفادة من جمالية التغليف والمظاهر الفيزيائية للمنتج لجذب الزبون.
  2. وجود قيمة فكرية للعلامة التجارية تصل بشكل واضح للعميل وتقدِّم فائدةً حقيقيةً له بالإضافة طبعاً للإبداع في خلق حلول لمشكلات الناس ضمن هذه المنتجات.
  3. المخالطة الاجتماعية أي تفاعل العلامة التجارية مع الجمهور بشكل مباشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي ممَّا يجعل العلامة التجارية جزءاً من المجتمع بشكلٍ أو بآخر.
  4. الرابط العاطفي، يمكن خلق رابط عاطفي بين العلامة التجارية والمستهلك بواسطة الإعلانات المبدعة التي تلامس ذكريات استخدام العميل مع المنتج.
  5. الشخصية القوية للعلامة التجارية التي تتحمل أي خطأ من الممكن أن تواجهه وتعترف به بشكلٍ صريحٍ وتسعى إلى حلِّه ممَّا يخلق ثقةً بهذه العلامة التجارية، بالإضافة إلى أنَّها ترتبط بأشخاص يتميَّزون بحضور مؤثِّر.
  6.  الأخلاقية، وهي ربط العلامة التجارية بالقيم الأخلاقية والفعاليات المجتمعية التي تثبت مدى مراعاة هذه العلامة التجارية للأخلاقيات الاجتماعية.

تحليل سلوك المستخدم خلال رحلته مع المنتج

 كان يُفهَم سلوك المستخدم سابقاً عن طريق نموذج AIDA وهو اختصار لـ (Attention, Interest, Desire, Action) أي التركيز والاهتمام والشغف واتخاذ إجراء، تطوَّر بعدها هذا النموذج لـ Four A’s الذي يتضمَّن تحولات جذرية في فهم سلوك المستخدم تناسب المرحلة الحالية من التسويق والذي طرحه فيليب في كتابه هذا.

يهدف هذا النموذج إلى تحويل الزبون من مرحلة معرفته بالشركة والمنتَج ومتعته بتجربته إلى مرحلة الولاء لدرجة التسويق، أي يتحول العميل لمسوِّقٍ للمنتج وللعلامة التجارية ضمن الدائرة المحيطة به عن طريق تشجيع من حوله لشراء هذا المنتج وحديثه عن العلامة التجارية وميزاتها ومشاركتهم روعة تجربته.

ختاماً

أتمنَّى أن ينال كل قارئ قدراً كافياً من هذه الأفكار، وتطبيقها بشكلٍ عمليٍّ ضمن العمل بالتسويق باستخدام أحدث الطرائق، وأن تكون هذه الأفكار حافزاً للقراءة بشكل أكبر حول هذا الموضوع للتطور في مجال التسويق الرقمي لأن العالم بأكمله متَّجه إلى المستقبل الرقمي، والثورة الالكترونية على كافَّة الأصعدة وكل الشكر للصديق رامي عيسى على مراجعته الكتاب.