أميرة المضحي
أميرة المضحي

د

نجوتُ بأعجوبة!

لم أكن أعرف وأنا طفلة إن العبارة التي كنت أرددها «نجوتُ بأعجوبة»، كلما وقعتُ في مأزق طفولي صغير ونجوتُ منه، بأنها عنوان نص للأديب الأميركي ثورنتون وايلدر. أذكرُ هذا ونحن نعيش الشهر الأخير من عام 2020 م الذي بدأته باحتفال عائلي صغير تبادلنا فيه الهدايا مع القريبات واحتفلنا بالسنة الجديدة. كانت ليلة مميزة، وكنت متفائلة بالسنة الجديدة رقماً، فخططتُ لتعزيز عدد من القيم الشخصية ووضعتُ أهدافاً شخصية وعائلية وعملية للسنة كاملة.

كنت متفائلة!

لكن بداية السنة كانت متفجرة، مع احتمالات قيام حرب عندما اغتالت أميركا جنرالاً إيرانياً في بغداد.  كان الخوف والترقب يسود العالم، ولكن الحرب لم تحدث، وسرعان ما اتخذ العالم منحى آخر مع انتشار فيروس كورونا (كوفيد   19) – والذي ظهر في الصين – في كل بقاع العالم.

دخل فيروس كورونا إلى السعودية بداية شهر مارس، وبعدها بأيام بدأت إجراءات الحجر الصحي في مدينتي القطيف لظهور الحالات الأولى فيها، تلتها إجراءات الحجر والإغلاق في كل مدن البلاد. كُنت أظن بأن الأمر سينتهي بعد شهر على الأكثر، وسرعان ما ستعود الحياة إلى طبيعتها ومع حلول الصيف سينتهي هذا الكابوس، وسأسافر إلى أوروبا كما خططت.

لكن هذا لم يحدث! 

كانت الأيام الأولى من حجر القطيف، والبقاء في المنزل فرصة مناسبة لي للقراءة واللقاء اليومي بشقيقاتي، ولكن مع إعلان حظر التجول الجزئي تغيرت الأمور وأخذت الحياة في بيتنا منحى آخر، وأصبحت حياتي تدور في فلك صغير بين القراءة في المكتب أو الاستمتاع بالجلوس في الحديقة في جو آذار/ مارس البديع، لكني سرعان ما شعرتُ باللا جدوى مع تشديد الإجراءات الاحترازية.

أعترف بأني لم أتصالح مع فكرة الحجر، فكرة البقاء في البيت، وفكرة الشوق لشقيقاتي، والاكتفاء بالحديث معهن عبر مكالمات الفيديو ونحن نسكن المدينة ذاتها. لم أستطع التركيز على الكتابة في مشروعي الروائي القادم، وتمنيت العودة إلى العمل في أقرب فرصة. ازدادت الإجراءات الوقائية في العالم مع ازدياد ضراوة المرض، حتى وصلنا لليوم الذي توقفت فيه الحركة في كل العالم، توقف الطيران، ومُنع التجول في كل مدن العالم، وأغلقت المحال التجارية والمطاعم والحانات والمسارح وشاشات السينما، والشركات، والمدارس والجامعات، المساجد، المصانع.  وحدها الأرض بقيت تدور في حركتها المعتادة، مما أعطاها فرصة العُمر لتتخفف من أضرار الانبعاثات الصناعية السامة والمدمرة للبيئة.

مع رفع الحجر/ الإغلاق عن القطيف عُدتُ إلى عملي في مدينة الخبر، وسرعان ما ثبتت مخالطتي لمصاب بفيروس كورونا فأجريتُ المسحة التي جاءت نتيجتها سلبية، ومع ذلك طُلب مني البقاء في العزل لمدة 14 يوماً.  كانت أياماً صعبة، وخصوصا لموافقتها شهر رمضان.  فقضيت أيامي في القراءة والمشاهدة رغم حالات الحزن الغامرة التي كانت تنتابني كل يوم، وخصوصاً وقت الإفطار عندما تضع لي أمي طعام الإفطار على باب غرفتي، نتحدث من وراء الباب قليلاً ثم تذهب.  أنهيت فترة العزل قبل العيد بأيام، وعدت إلى عملي مرة أخرى.  كان العالم يتجه إلى التحرر من القيود مع تناقص الحالات، أما في المملكة فازدادت الحالات حتى بلغت ذروتها في الصيف، الذي كان صعباً جداً وحارقاً.  فقدت عائلتنا شخصيتين عزيزتين، ونال الفقد صديقاتي أيضاً، وأُغلقت عدد من البيوت بسبب الفيروس، وكان الشعور العام بأن الخسارة تخص الجميع، وبأن الحظ فقط هو من يلعب لعبته مع الناجين.  مع قرب انتهاء الصيف بدأت الحالات المسجلة يومياً تتراجع واتجهت البلاد إلى المزيد من التحرر من القيود مع المحافظة على الإجراءات الاحترازية تفاديا لحصول موجة ثانية بدأت بوادرها تلوح في العالم الذي عاد إلى الإغلاق ومنع التجول مرة أخرى مع دخول الخريف، والبدء بالترخيص الطارئ للبعض اللقاحات علها تساعد في القضاء على هذه الجائحة.  وها نحن نعيش في أواخر شهر ديسمبر من هذه السنة التي أعجز عن وصفها، أو التعبير عن مشاعري تجاهها، ربما سأقول كما كنت أفعل في طفولتي بأني نجوتُ بأعجوبة.