أحمد السندري
أحمد السندري

د

مرض.. لا أرى غيرك

رأيتك ألف مرة سابقة، رأيتك تتحدثين، تمشين، تصمتين، رأيتك وأنت في حالات مختلفة، وأعتدت رؤيتك، ولكن ما منعني ذلك أن أراك مجددا فلا أنبهر لأنني رأيتك أنت، فعيوني هى هى التى رأتك من قبل، وأذني هى هى التى تسمعك في كل مرة تتحدثين، وحين تتحدثين، أنصت متجاهلا كل ما يدور حولي، أريد أن أسمع صوتك الخافت الهامس، وأسخط كل شئ يجعلني لا أنتبه، كل شئ في ذلك ليس جديدا لا شئ بك جديد ولا شئ بي جديد، ومع ذلك شعوري ناحيتك يكون غير المألوف، كأني أول مرة أشعره.

أجزم لك أني معافى تماما من كل أمراض النسيان.. فلست مريضا بمرض “ألزهايمر” ولا غيره، وعيوني صحيحة كليا ولا أشك فيها أنها ترى غيرك كرؤيتك.. بل أنت في كل مرة.. بل أنت كل امرأة أراها.. وكل النساء أنت.. ليس في نظري فقط، بل في قلبي، في أذني، في كل حواسي الخمسة. ولو كنت مريضا أو أنكم ترون أن ذلك الشخص لابد أن يكون مريضا… فهانذا أعترف بل وأضيف إلى قائمة الأمراض الكونية مرضا جديدا… وهو مرض رؤى امرأة في كل نساء العالم.

الأمر الوحيد الغامض بيننا بالنسبة لي، هو غيابك.. أريد وضع تعريفا له دون أن أسقط في خطأ، أن أكون منصفا لمعنى أنت من منحتيه المعنى ليكون، أريد قول أن في غيابك حضورك، ولكن أتوقف سائلا نفسي:”وفي حضورها ماذا؟”، وأذكر ذات يوم أتيت فيه، فوجدتُ حالي تجرد من كل شئ، نسى كل شئ، ألِف كل شئ وتمرد عليه، وصرت منشغلا بحضورك محتفلا به، وطال الاحتفال هذا طول مدة الحضور، لم أتوقف عند الاحتفال، بل كان له – حضورك – نصيب كبير من الاحتفاء، ثم أرد على نفسي : “يا نفسي، أنسيتِ؟.. في حضوره غياب كل شئ إلا هى”.

الحب في معناه، أو بالمعنى الذي أريده حب مثلك، لا يتكرر كثيرا، وأنا بذلك القول أقرّ بأنك المرأة التي قالوا عنها : إنها لا تتكرر، لابد أن تتمسك بها إذا وجدتها، لابد أن تكون إنسانا حقيقيا بالمعنى الحقيقي للكلمة، لابد أن تتجرد من صفات الإنسان السيئة، وأنانيته الحمقاء، التي تجعله مثل طفل يريد كل لعبة له دون حق أي شئ آخر، لابد أن تعلم أنها لن تتكرر، أنت لن تتكرري… أعلم ذلك.

فحبي لكل شئ شهد حبنا في أول الأمر، الوردة الحمراء التي مررتي بجوارها، ذلك النسيم الذي شممتيه في الصباح يوم رأيتك، وحبي لكل مكان سرتي فيه ماشية بهدوء يشبه هدوء ذلك النسيم، ليس على عجل منتبهه في طريقك، وامتناني لكل شئ مرّ من يدي إلى يدك صدفةً دون أي تدبير مني، وامتناني لمن كان السبب في ذلك، أو بما يلخص كل شكري وامتناني هذا، فشكري وامتناني للقدر الذي جمعني بك، حمدلله على اختياره والرضى الذي سكّنه فىّ.