هدير طارق البدوي
هدير طارق البدوي

د

تُحيطني مؤخرًا هالة من الزُهد في القراءة!

لطالما أحببتُ القراءة، وأكتشفت، أو كما قيل لي، أنني بارعة في الكتابة أيضًا.. ولكن القراءة، هذه الزاوية الهادئة في يومي، حين أفتح صفحات كتاب وأضيع بها، غير عابئة بالزحام والضوضاء، ولا مهتمة بضغوطات اليوم وجدولي المزدحم، فقط أسمح لنفسي في هذه الدقائق أن أتناسى كل شيء، وأسمح لذهني بالإسترخاء مستمتعًا بالـ “حدوتة”.

نظرًا لضيق الوقت، حسنًا لن أكذب، وسرعة إفلاسي، وربما ثِقل حقيبتي، أصبحت ألجأ للنُسخ الالكترونية من الكتب والروايات بدلًا عن الكتب الورقية. أجل ينتابني الحنين إليها من حينٍ إلى آخر، ولكن هذا خارج نطاق حديثنا الآن، كما أن الكتب الالكترونية ليست بهذا السوء.

أكتبُ الآن مُستمعةً إلى أم كلثوم وهي تغني؛

“ومهما البعد حيرني

ومهما السهد سهرني

لا طول بعدك يغيرني

ولا الأيام بتبعدني بعيد، بعيد عنك.”

رغم إن هذه المعلومة غير متعلقة بما أكتب، كما إنني أظن أنه من الخطأ وضعها هكذا في مُنتصف الحديث، إلا إنني وجدت بنفسي الرغبة في ذكرها، فكتبتها.

عودةً لحالتي؛

كنتُ كذلك أحبُ قراءة منشورات الأصدقاء الطويلة، دائمًا ما أشعر أن بها جزءًا من روحهم، وعادةً ما يكون قد بُذل بها من وقتهم وطاقتهم، فأحب أن أُظهر تقديري، خاصةً لأنني أحب القراءة ولا أمانع طول المنشور أو كثرة الكلمات، لا سيما إن كان أسلوب الكاتب مميزًا، أو تمكنت القصة من جذبي، أو كان الموضوع مُثيرًا لاهتمامي.

الأسبوع الماضي طُلب مني عملٌ معين، استمتعت به كثيرًا، وقد بذلت به مجهود ذهني أكثر من الطبيعي، وأعتقد أن النتيجة كانت مُرضية، حسنًا كانت مُرضية من وجهة نظري على الأقل. إلا إنه من يومها وقد أنتابتني هذه الحالة، وإن أشتقت للكلمات فأجدني أختار الكتابة على القراءة، أشعر أن لدي هذا السيل من الأفكار والمشاعر والتساؤلات والكلمات التي أحتاج إلى اخراجها. لا أدري هل لهذه الحالة وهذا العمل علاقة، أم أن الأمر محض صدفة، أو انها تراكمات.

حين كُنتُ في الثانوية العامة، لم أحب الصمت، لقد كان مُبالغًا به لدرجة انه كاد يخنقني، فاعتدتُ الإستماع إلى الراديو في ليالي المذاكرة والسهر. في أحد البرامج استمعتُ إلى مقولة لم أستطع نسيانها منذ ذلك الحين، ولقد كان هذا منذ زمن بعيد، حقًا بعيد! “اغصب، تتعود، تتلذذ”.

إنها تُمثل الحل لكثير من مشاكلنا في الحياة، وتحديدًا لمشكلة زُهدي في القراءة. إن أجبرتُ نفسي على القراءة، حتى وإن كانت العودة بخُطى بطيئة، بدايةً من صفحة واحدة يوميًا، سأعتاد عليها، وسأزيدها تدريجيًا، حتى أعود للتتلذذ بها.

لكن من اين ابدأ؟

أعتقد أنني في حاجة لرواية قوية الكلمات، صادقة المشاعر، متقنة الحبكة، قادرة على أثر كامل إنتباهي، والإنتصار على ذاتي، لتعيدني إلى القراءة.. ربما بعد اختباراتي التي هي على وشك البدء، وربما غدًا، فـ “حدوتة” بهذه المواصفات لن يمكنني تأجيل قرائتها متى وجدتها.

إنني أشتاق للقراءة، رغم زُهدي _المؤقت_ بها. وإنني في حاجتها الآن أكثر من أي وقتٍ مضى.