هيثم عمر
هيثم عمر

د

عن السعادة الأبدية!

لا أملك مفاتيح السعادة الأبدية – وأقصد بها تلك السعادة الموصوفة في الكتب، التي تنسيك الألم والحزن، وتنتشلك من قعر الجحيم إلى النعيم الأبدي المقيم في دنيا زائلة. تلك التي أضلت آلاف الساعين خلفها… وكانت سرابًا لملايين الحالمين. سعادة خلقت بأقلام المجانين والتعيسين، وبحبر الخيال والحلم زينت ورصعت ودست بين طوابير الأحرف لتملأ صفحات واقعنا ولتجر خلفها كل تعيس وضعيف، كل أحمق ومغلوب وكل من أحس بفقد شيءٍ لا يملكه. – وتأبى كلماتي الانضباط والانصياع لقلمي في كل محاولة مني لكتابة تعريف مقتضب للسعادة الأبدية! كأنها تدرك أن ما ستشكله كذبة وخدعة!

لا توجد مفاتيح للسعادة الأبدية لا لأنني لا أملكها، بل لأن السعادة تلك لا أبواب لها لتفتح، ولا آذان لها لتسمع نجوانا ولا أعين ترى بها جحيمنا وتعاستنا نحن الكائنات الفانية. لطالما سعيت خلفها مجيبًا دعوة الكلمات ومنقادًا خلف حلم أزلي، طارقًا جدرانها ومزيلًا بعواصف يأسي وسخطي كل ما تدثرت به من غبار وآثار تدل على القدم والأصالة.

مللت السعي خلفها، وآمنت أن السعادة سراب خلقه الإنسان لنفسه. خلقه ليكون دواءً لكل داء، وجرعةً سحريةً تنسيه الحاضر والماضي وتشغل عقله عن المستقبل، وتنتشله من ألم الفراق والخسارة، تعلل له الوسائل وتمسح دموعه الساقطة على وجنتيه. وليته اكتفى، فقد صيرها جسمًا غريبًا يعلق عليه الآمال والأحلام ويعول عليه في تحقيقها.

نقيضها موجود ومحسوس… بل كاذب من خانته نفسه وأوهمته زوال العلة والألم ولو كان ذلك للحظة. التعاسة قابعة بين أوصالنا، متغلغلة في نفوسنا، قابضة على أرواحنا فأسبابها كثيرة وعديدة… تصيب الكبير والصغير، الغني والفقير والقوي والضعيف، ولا تغفل عن أحد.

فأين السعادة من نقيضها، ولم لا توجد السعادة الأبدية إلا بين أشد الأساطير شذوذًا وقدمًا؟

هل ستغرق أرواحنا في التعاسة دون أن تنتشلها يد السعادة؟!!

وهل التعاسة حكم بالمؤبد أم أنها كذبة أخرى اختلقها الإنسان ليعلل ذلك الشعور بالضعف والاحتراق الداخلي؟!!

ليتني أملك الإجابة، وليتها تكون شافيةً ووافية. لكن، وإلى حين ذلك أدعوك إلى التمسك بالسعادة ” اللحظية ” تلك التي ترافق الإنجاز والنجاح، تخفي الآلام ولا تسلبها، تكون عونًا لك لا حلًا سحريًا، تُزين الحاضر وتزرع الأمل في مستقبلك. تلك هي من أملك مفاتيحها وتلك هي من تُخلق عبرك أنت، أنت من يجعلها حقيقةً وأنت من تشكل مفاتيحها.