مريم القحطاني
مريم القحطاني

د

ما الفرق بين القارئ السريع والقارئ المتمرس؟

عندما يصفني الأصدقاء بالقارئة السريعة لأنني إنتهيت من قراءة كتاب في فترة قياسية، أنفي ذلك مُصحّحة “بل أنا قارئة متمرّسة.”

نحن نمارس إستراتيجيتين عند القراءة: السريعة بهدف “صيد” المعلومة كما نفعل عندما نبحث في المراجع، والبطيئة عندما نرغب بدراسة النص أو التقرب منه بهدف الترفيه والمتعة. لكن يبقى هناك من يمكن وصفه بالقارئ السريع والقارئ المتمرس.

ما الفرق بين القارئ السريع والقارئ المتمرس؟

السريع يميل للشرود، أو يقرأ بهدف “الصيد”، يفضل قراءة الملخصات، يستخدم تقنيات تنقله بين الصفحات دون إستيعاب عميق، عادة يوظفها لإنجاز مهمة وهذا لا يثري مخزونه اللغوي ولا يحسّن من تركيزه. المتمرس أفصح، غني المفردات، يُحسن تقليص المُلهيات، يعطي النص وقته، وهذا يكثف من تركيزه وإستيعابه ويثري قراءته.

عبارة “قارئ سريع” شبه مضللة، إذ تترك انطباعاً أنه يقرأ في مدة زمنية قصيرة، وبالتالي يقرأ أكثر، وهذا غير صحيح لأن الهدف من القراءة السريعة هو القراءة أقل، لهذا تُستخدم تقنيات التلخيص، مثل تقليل وتخطي ومسح الصفحات. وهذه الطريقة لها فائدتها في بعض الحالات كالبحث عن معلومات معينة. أما القارئ المتمرس فقد يُعطي انطباعاً أنه يأخذ مدة أطول لأن “تركيزه أعمق وبالتالي فهو أبطأ” لكن العكس هو الصحيح، فالتركيز العالي المتسق، والتعرف السريع على الكلمات، وإستيعاب تراكيب الجُمل لا يؤخر بل يُقدّم القراءة ويقلل من إعادتها. ما يعني أن القارئ المتمرس قد يكون هو “السريع” بالفعل وهو من ينتهي من القراءة في فترة قياسية كأنما هو يلتهم الكتب إلتهاماً.

القارئ السريع ينتهي بالفكرة العامة لكن المتمرس يبدأ بها، أي يتعرف على الكتاب أولاً: موضوعه، فكرته العامة، ما قال عنه النقاد والقراء، سياقه، كاتبه، قبل البدء بالقراءة. لأن الإنطباعات المختلفة تشكل لديه فكرة جيدة تساعده على الإستيعاب بشكل أعمق من خلال التقييم والمقارنة عند القراءة.

ما يفعله القارئ المتمرس:

  • التمهيد
  • تقليص المُلهيات والمشتتات
  • طرح أسئلة حول النص
  • إستخدام دلالات السياق
  • تقسيم القراءة لأجزاء تمنحه مواقع مناسبة للتوقف
  • المواظبة
  • كتابة مراجعاته وتدوين ملاحظاته (إن سنح له الوقت)
  • لا يركز على تظليل العبارات والاقتباسات التي تعجبه لحفظها كجمل مؤثرة أو جميلة، بقدر ما يركزعلى تأثيرها وربطها بسياقها وفهم سبب ورودها وفعاليتها في مواضعها
  • يسخّر ساعات طويلة من وقته في القراءة
  • لا يتقيد بعامل الوقت والإنتهاء من الكتاب سريعاً، بل يترك لنفسه فرصة الرحلة مع الكتاب كتجربة فريدة
  • يعرف جيداً لماذا يعجبه هذا الكتاب ولا يعجبه ذاك، أي أنه قارئ حصيف وناقد موضوعي

مدة القراءة الزمنية لا تعكس “عُمق” القراءة ولا تدل على جودتها بالضرورة، بقدر ما تعكس مستوى المواظبة والإلتزام والإعتناء. لأن الإنتهاء من كتاب يعتمد على عدة عوامل منها:

  • صعوبة النص مقابل مستوى القارئ
  • نسبة الإستمتاع بالنص والتركيز
  • الإلتزام والمواظبة
  • نسق القراءة
  • قلّة المُلهيات ومستوى القلق
  • أسلوب الكتابة (والقراءة في حالة الكتب الصوتية)

كيف تُصبح قارئ مُتمرس؟

  1. إبدأ بقراءة ما هو أسهل، أي أقل من مستواك اللغوي، الكتب غير المعقدة والتي تألف مفرداتها وتراكيبها
  2. إقرأ ما يناسب مستواك ثم تدرج لمستوى أعلى
  3. أدرس معاني الكلمات (نعم، إستخدم مُعجم)
  4. نوّع مواضيع القراءة لتطلع على طرق مختلفة للكتابة وتراكيب الجمل
  5. ركّز وواظب، إجعل القراءة عادة يومية
  6. القراءة المتقطعة، أي إعطاء مدة معينة للإلتزام بالقراءة والعثورعلى مواقع جيدة للتوقف

هناك عامل آخر يستفيد منه القارئ ويؤثر في نسق القراءة، وهو الإلمام بالموضوع وخلفياته. فقارئ الفلسفة والمهتم بها لديه معلومات تراكمية تساعده على القراءة والإستيعاب بشكل أسرع من نظيره الذي لا يقرأ هذه النوعية من الكتب. فضلاً عن أن هناك فرق بين القراءة للمتعة والفائدة والقراءة للبحث والدراسة. وهذا حديث آخر.