هيثم عمر
هيثم عمر

د

الدرجة!

أربعة أحرف تسبقها ثلاثة أرقامٍ أقصاها الـ 100 وأقلّها الـ 0…كل خانة منها تفتح الباب أمامك، إما إلى جحيم الدنيا أو إلى نعيم أبدي – كما تصورها الأفكار المغروسة فينا -…

إنها ” درجة الثانوية العامة (التوجيهي) “. الدرجة التي تحمل على عاتقها مستقبلك…المادي…والاجتماعي…وحالتك النفسية أيضاً…

كل درجة تقل عن المئة، تكبل أحلامك وتطلعاتك…وتخفض سقف طموحك…

إحدى عشرة سنةً من التعلم تختتم بسنة واحدة هي الفاصلة…فإما أن يكون ختامها مسكاً وإما أن تضيع نفسك بين الآهات والحسرات…

لا قانون يحكمها…ولا شريعة تنظمها…معركة بينك وبينها…كل الأسلحة مشروعة…والبقاء للأقوى.

خطط…ملخصات…دروس خارجية…دروس داخلية…تودد إلى المعلم…وأبحاث ومشاريع بالآلاف لتحسين درجة طرحت من المئة، دليلاً وشاهداً على أنك إنسان يخطئ…دعوات في السر والعلن لك من القريب والبعيد…مقارنات بينك وبين أي مخلوق آخر- ابن عم، ابن خال، ابن الجار…وغيرهم. بل كن مستعداً لتقارن بأي طالب مرّ في الشارع أو خاض التجربة هذه معك –.

لكن ذلك كله في كفة…والاختبارات خاصةً النهائي منها في كفة…

فلا التودد إلى الأوراق والأجهزة ينجي…ولا البحوث والمشاريع تسد الخلل والخطأ…

قاعات مغلقة…مراقبون أشداء…واختبارات مختومة بـ ” سريٌ جداً “…

أيامٌ تسبقها…لا نوم…لا طعام ولا شراب…فالعقل فاقد الإدراك…والمعدة من الألم وعسر الهضم الذي أصابها لكثرة الحشو في المناهج عاطلة عن العمل…تنام والمعادلات تحل في المنام تارةً، وتارةً شاعرٌ من غابر الأزمان يلقي الشعر بإسقاطاته ومعاني ألفاظه عليك…

وليلة الامتحان …

تعد العدة لملاقات ذلك المقاتل المغوار…فهذا يحشو جيوبه بالمنهاج كاملاً…وذاك يبعث الرسائل بحثاً عن دين مفقود هنا أو هناك يجمعه يوم الامتحان…وهناك من تسلح بالمنهاج مشفراً، لعل السؤال فيه مفتاح فك التشفير…

بعد انتهاء المعارك وانقضاء فترة الامتحانات التي يمر فيها اليوم كالعام…يحين موعد التحكيم المحايد لها. وفور صدور نتيجة التحكيم…تقام الأفراح أو الأحزان عندك…فإن نلت التسعين وأخواتها، ما هدأت الضحكات عندك…وإن نلت ما دونها ” ولولت النساء ” وذرف الرجال الدموع، وأحرقت نظرات العتاب والأسى روحك وجسدك، فكأنما الإثم والفساد قد تخلل روحك وعظامك لمّا تاهت الأرقام بعيداً عن ورقة تقييمك…

لا يصح وصف وعنونت ما قيل سابقاً بـ ” معاناة طالب الثانوية مع الدرجة “، فهي حكاية عامة لا خاصة، آفة ألمت بمجتمعاتنا. فأصبحت الدرجة ترادف المستقبل عندنا، وما عدنا قادرين على إدراك حقيقة بسيطة، وهي: أن الأرقام المرصوصة على الورق، لا تعد بأي شكلٍ من الأشكال مقياساً تبنى عليه قدرات الطالب…

فما أسهل تحصيل الدرجات بالغش!!…وما أسهل فقدانها سهواً!!…فهل يحق لأحد أن يسرق المستقبل من بين يديك؟…وهل يحق للأرقام أن تكون سقفاً لطموحك…؟!!

لا أدعم الغش…لا أدعم الكسل…ولا أدعم اليأس والاستسلام…لكنني لا أدعم أيضاً الموت والحزن في سبيل درجة…ولا أن تعلق الرقاب بالأرقام و ” العلامات “…

اعمل…توكل على الله…

لا تحزن…فهذا رزقٌ من الله، يؤتيه من يشاء…