أسماء فهد
أسماء فهد

د

هل يمكن أن يكون القلق مفيداً؟!

هل تتذكر أيام الدراسة حينما طلب منك الأستاذ أن تقف أمام الطلاب وتقدم عرضاً قصيراً؟

بتلك اللحظة من المؤكد أنك شعرت بالارتباك وأحسست بتعرق يديك وقلبك ينبض بسرعة، رغم أنك أخذت كل الاحتياطات اللازمة وأعددت جيداً للعرض..

إن ما حدث لك في هذا الموقف هو القلق !

فما هو القلق؟

هو الإحساس بالخوف من المجهول ومن المواقف التي لا نكون متأكدين من نتائجها ويترافق هذا الإحساس بأعراض فسيولوجية مثل زيادة في نبضات القلب والتوتر العضلي وتقلصات في عضلات المعدة.

هل يمكن أن يكون القلق مفيداً؟

تخيل معي أنك لا تهتم إطلاقاً بمادة دراسية معينة ولا تشعر بأدنى درجة من القلق نحو هذه المادة…

ماذا ستكون تصرفاتك نحوها ونحو أستاذ هذه المادة؟ 

بالغالب ستعجز عن المذاكرة لهذه المادة ولن تهتم بإنهاء الواجبات وتسليمها وحتماً لن تحصل على درجات عالية بهذه المادة بل ربما قد لا تجتازها !


ماهو قانون ييركس- دودسن ؟

هو نموذج للعلاقة بين القلق (الإثارة) وأداء المهام، حيث يفترض هذا القانون أنك ستصل إلى ذروة أدائك مع مقدار معتدل ​​من القلق، وأن غياب القلق أو القلق المفرط كلاهما يؤدي إلى ضعف الأداء!

كانت النظرية موجودة منذ عام 1908 ، عندما أجرى علماء النفس روبرت يركس وجون ديلينجهام دودسون تجارب على الفئران.

حيث شكّلوا نظريتهم أثناء إجراء تجارب على الفئران، باستخدام الصدمات الكهربائية الخفيفة تمكنوا من تعليم الفئران بسرعة أكبر لتعلم مهمة أطلقوا عليها “العادة”. ولكن مع ازدياد قوة الصدمات ، استغرقت الفئران وقتًا أطول لتعلم المهمة، ربما لأنها كانت أكثر تركيزًا على تجنب الصدمة بدلاً من إكمال المهمة.

استنتجوا من خلال هذه التجارب أنه مع زيادة الإثارة ، تزداد لدى الأفراد القدرة على تكوين عادة وأداء المهام بشكل جيد كما تمدهم بالدافع الكافي.

لكن هذا التحسن يصل إلى نقطة معينة فقط ، تُعرف بالمستوى الأمثل. مع تجاوز الإثارة لتلك النقطة ، يبدأ الأداء في التدهور!

*يقصد بكلمة (إثارة) = التوتر والتحفيز.

ما هو المقدار الأمثل للإثارة؟

هذا يعتمد على المهمة، حيث تتطلب المهمة الأبسط قدرًا أكبر من الإثارة ، بينما تتطلب المهمة الأكثر صعوبة مستوى أقل من الإثارة.

هذا يعني أنك تحتاج إلى إثارة أكبر كي تتمكن من أداء المهام المملة مثل تنظيف المنزل بينما تحتاج إلى إثارة أقل للقيام بالمهام الصعبة مثل الاستعداد لمقابلة شخصية مهمة أو تقديم عرض أمام مجموعة من الناس.

كيف يتصرف الدماغ مع مستويات الإثارة؟


منحنى العلاقة بين مستوى الأداء ومستوى القلق (الإثارة)

  • إثارة منخفضة:

إن عدم وجود ضغوط على الإطلاق، ليس بالضرورة أمرًا جيدًا على الأداء.

على سبيل المثال ، عندما تكون وظيفتك روتينية ولا شيء يتغير أبدًا ، يبدأ الملل بالتسرب إلى عقلك، لا يوجد هناك ضغوط، ولا يوجد دافع أيضًاً ، أنت لا تتعرض للتحدي وليس لديك أي حافز للذهاب إلى أبعد من ذلك. عملك يبدو بلا معنى؛ لذلك يكون أدائك في الحد الأدنى.

  • الإثارة المثلى:

المستوى المعتدل من التوتر يوصلك إلى أعلى قدراتك، حيث يمكنك التحكم وتحسين الأداء، قلبك ينبض أسرع قليلاً لكنك تشعر بالوضوح واليقظة، حينها يتنشط عقلك وجسدك ويتحدان معاً. 

إنها تلك الدفعة الإضافية الصغيرة التي تحتاجها لتحقيق أهدافك وتعزيز أدائك.

  • الإثارة العالية:

يتصاعد التوتر والقلق إلى مستوى لا يمكن السيطرة عليه، ينبض قلبك بشكل أسرع ، لكنه مزعج ، ومُشتت يُفقدك التركيز ويحول بينك وبين الوصول إلى إمكاناتك الكاملة، هنا يبدأ القلق بالعمل ضدك ويؤدي إلى إضعاف أدائك إلى حد كبير.


جميع الناس يقلقون في وقت من أوقات حياتهم، مثل استقبال ضيوف مهمين أو حضور مقابلة شخصية أو الاستعداد لاختبار دراسي مهم..

إن هذه المشاعر المؤقتة التي تنبع من مواقف نشعر من خلالها بالتهديد تسمى قلق الحالة (State Anxiety) .

ولكن هناك أشخاص يشعرون بالقلق معظم أوقاتهم، حتى عندما لا يكون الموقف غريباً أو مهدداً وهذا يسمى قلق السمة (Trait Anxiety) أي أن القلق يكون سمة مميزة لهؤلاء الأشخاص تحت الظروف السهلة والصعبة على حد سواء وهذا النوع من القلق بالطبع يؤثر سلباً على الأداء والصحة النفسية والجسدية .

إن مقداراً بسيطاً من القلق قد يكون مفيداً للتعلم وتحقيق أهدافك وتخطي التحديات التي تواجهها في حياتك، وهذا المستوى من القلق يسمى القلق المُيسر لأنه يحفزك للتحرك نحو تحقيق أهدافك والنجاح فيها؛ والأهم يدفعك للتعامل بجدية معها ..

ختاماً، إن شعورك بالقلق أمر طبيعي وصحي في مستوياته المتوسطة، لكنه مؤذي حين يحبطك ويتمكن من مهاجمة ثقتك بنفسك ويجعلك تعتقد أنك غير كافي لإنجاز المهام أو تجاوز التحديات، تذكر أن شعورك بالقلق يشير إلى رغبة عقلك العميقة في تحسين أدائك وتحقيق تطلعاتك.