حمود الباهلي
حمود الباهلي

د

لماذا ينجذب البعض لنظريات المؤامرة؟

لماذا ينجذب البعض لنظريات المؤامرة؟

في صباح يوم الأربعاء (25/11/2020) تحديداً في الساعة 9:33 تلقيتُ رسالة في قروب واتس أب تُحذر من تناول لقاح ضد مرض كوفيد-19، تدعي الرسالة أن كوفيد-19 ليس سوى مُجرد خُدعة، تستغله قوى خفية لتتحكم بعقول وأجساد البشر عن طريق اللقاح.

جاءت التشكيك بعد فترة امتدت لأكثر من 300 يوماً، أصيب خلالها سياسيون، إعلاميون، رياضيون وغيرهم بالمرض، لأكثر من 300 يوماً، كانت وسائل الإعلام المحلية والدولية تمطرنا بمواد إعلامية تحذر من المرض، لأكثر من 300 يوما كان كوفيد-19 هو الهم الأول للحكومات والمنظمات الدولية.

مع ذلك ما يزال البعض مصراً أنه مجرد خدعة!

يُصنف هذا النوع من التحليل على أنه الإيمان ب(نظرية المؤامرة) و التي ترى أن ما يُعرض أمامنا ليس الواقع كما هو وإنما تضليل إعلامي، تتكأ النظرية على تفسير الحدث من منظور تآمري.

في التاريخ الحديث، عدد كبير شهير من نظريات المؤامرة مثل أن تنظيم الماسونية تنفيذ لإحدى بروتكولات حكماء صهيون، أن عائلة روتشيلد اليهودية سببت الحرب العالمية الأولى حتى تغرق الحكومات الغربية بالديون، لم يهبط الأمريكان على القمر، أن المخابرات الأمريكية مسؤولة عن مرض الإيدز، وأن الأرض مسطحة! وغيرها الكثير.

 سوف أتناول أبعاد هذه الطريقة في التحليل من خلال المقال.

المصطلح ضحية نفسه!

من الطرائف أنني حاولتُ عند كتابة المقال تتبع أصل لمصطلح، تبين لي بعد البحث أنه توجد نظريات مؤامرة عن (نظرية المؤامرة)!

على مدى تاريخ البشرية، كانت هناك شرائح عديدة تُفسر الأحداث الكبرى التي لا تروق لها أنها من إعداد قوى شريرة خفية. ترى هذه الشرائح أن المعضلات التي تواجهها ليس من عملها وإنما من عمل ماكرين خبثاء لا يودون لهم الخير.

الانقسامات الدينية الحادة والفتن بين أبناء الدين الواحد تسبب بها أشخاص معادين للدين تظاهروا بأنهم من أتباع دين ما، من أجل ضرب الدين من الداخل.

وتنسب الأزمات الاقتصادية التي عصفت بالدول لا إلى سوء إدارتها للاقتصاد وإنما لأقليات عرقية/دينية، يسوؤها أن ينعم مجتمع ما بالرفاهية الاقتصادية.

لكن المصطلح (نظرية المؤامرة) بدلالته الحالية وحمولته السلبية، من عمل وكالة المخابرات الأمريكية.

فقد شككت شريحةٌ كبيرةٌ من المجتمع الأمريكي ومازالت البعض يشكك بالرواية الرسمية لمقتل الرئيس جون كيندي، وخرجتَ تحليلاتٌ عديدةٌ تفسر ما حدث وتكذب رواية المخابرات الأمريكية، فأطلقت عليها وكالةُ المخابرات الأمريكية لقب نظريات المؤامرة لإضعاف مصداقيتها.

لا يهم كثيراً مصدرُ المصطلح، لكن ما يهم فعلاً أن شيوع هذا النوع من التحليل خطير جداً، لأنه ينزع الثقة من أي مصدر معلومة.

لا يمكن أن يستمر النقاشُ حول قضية ما، إذا اعتبر طرفٌ ما أن أدلة الطرف ماهي إلا خدع وتلاعب وأنه ضحية تضليل من جهات خفية.

ما سمات نظرية المؤامرة؟

يتلقى الواحد منا يومياً سيلاً معلوماتياً جارفاً من (أفراد/مؤسسات/ حكومات) بعضها صحيح وبعضها خاطئ، المعلومات الخاطئة منها بعضها نتيجة خطأ غير مقصود وبعضها عن عمد.

 كيف نفرق بين التصور الخاطئ أو المعلومة الغلط التي تحتاج تصحيحاً، وبين التحليل التآمري الذي يفسر ظاهرة ما بأن هناك تلاعباً في عرض الحقائق؟

هل يمكن معرفة نظرية المؤامرة من خلال حدسنا وخبرتنا مع هذا النوع من التحليل، فيكون حالنا معها مثل حال القاضي بوتر ستيوارت (القاضي في المحكمة العليا في أمريكا) حينما سئل كيف يفرق بين الفيلم الإباحي وغيره؟ فقال: ” أعرف الفيلم الإباحي إذا شاهدته!” أم أن التحليل التآمري له سمات؟

يرى د. بيتر نايت المحاضر في جامعة مانشستر أن هناك ثلاث سمات، متى اجتمعت في تحليل ما، فهو أقرب لأن يكون نظرية مؤامرة.

  1. لا شيء يحدث صدفة، لا يعترف التحليل التأمري بالصدف. فهو يرى أن كل جزئية في الحدث الذي يحلله فهو نتيجة تخطيط مسبق.
  2. لا شيء يظهر كما هو، يرى التحليل التأمري أن الظواهر تخفي تحتها معلومات لم يطلع عليها سواهم.
  3. كل شيء فله ارتباط بظواهر أخري، لا تتعجب إذا اطلعت على تحليل تآمري يربط فيها المحلل سبب ظاهرة صحية ما، بالاقتصاد والدين.

أضيف من عندي سمة رابعة في التحليل التآمري، أن من يتحمس له عادة يكونون أشخاصاً غير متخصصين معرفياً في المجال الذين يتبنون التحليل التآمري فيه.

سوف أطبق هذه السمات من خلال مثالين أحدهما محلي والآخر عالمي وهما مجرد مثالين لتقريب المفهوم وليس لي مقصد آخر.

فشل رياضي:

ألغيت مشاركة نادي رياضي في مباراة دولية بسبب إصابة عدد من لاعبيه بمرض كوفيد-19 نتيجة عدم تطبيق الإجراءات الاحترازية، ترتب عليها حرمانه من بطولة دولية، كيف فسر من يعتقد بالتفكير التآمري هذه الحادثة؟

  1. ليس صدفة أن يُصاب اللاعبون قبل المشاركة بعدد كاف لإلغاء المباراة. لماذا أصيبوا في هذا الوقت وليس في غيره من أيام سنة 2020؟ لماذا تشافوا بعدما ألغيت المباراة!
  2. يرى أن الأمر ليس مجرد إصابة لاعبين نتيجة اختلاطهم بمصاب وإلغاء المشاركة، الأمر أعقد من هذا وراء الأكمة ما وراءها!
  3. يربط بين الحادثة ونوعية المبلد المستضيف والاتحاد الكروي الآسيوي وخصوم النادي المحليين والدوليين في الحادثة فهو يعتقد بوجود تنسيق خفي فيما بينهم لحرمان الفريق من البطولة.

حركة معاداة التطعيمات

ظهرت في العقدين الماضيين حركةٌ تقف موقفاً صارما من التطعيمات، بدأت الحركةُ عندما ادعى الطبيب الأمريكي أندرو ويكفيلد عام 1998 أنه يوجد رابط بين الإصابة بمرض التوحد والتطعيمات الإلزامية التي يتناولها الأطفال قبل الالتحاق. سحب أندرو دراسته عام 2004 بعدما وجد باحثون أخطاء منهجيه في دراسته.

سحبُ دراسة علمية لوجود ضعف علمي فيها ليس بالأمر غريب، لكن المشكلة أن حركة معاداة التطعيمات ازدادت ضراوة بعد سحب الدراسة، فقد غززت من يقينهم بوجود مؤامرة عليهم!

هذا هو الجانب الخطير من التحليل التآمري، إذا لم تُسحب الدراسة سيقولون هذا دليل علمي على صحة موقفنا أن التطعيمات ضارة بالأطفال، وإذا سُحبت الدراسة سيقولون هذا دليل أوضح أن جهات ما (شركات أدوية/حكومات فاسدة/ إعلام ضعيف) تتآمر علينا.

هل هناك سمات لمن يميلون للتفكير التآمري؟

كلنا معرضون لأن نتبنى نظرية أو نظريات مؤامرة، شخصياً كنت أميل لفكرة ضلوع الأسرة الحاكمة البريطانية في مقتل ديانا، لكن عدلتُ عن هذا التصور مؤخراً، يتقبل الناسُ نظريات المؤامرة لدوافع مختلفة منها:

  1. أنها تقدم عزاء لهم في حال وقع شيء عزيز عليهم خلاف ما يريدون، فقد لاحظ د.جوزيف زأوسينيكي أستاذ العلوم السياسية في جامعة ميامي أن المصوتين للمرشح الرئاسي الخاسر يميلون للتفسير التآمري لتبرير خسارة مرشحهم أكثر من المصوتين للمرشح الفائز.
    مثلاً مناصرو ترمب لم يشككوا في نزاهة الانتخابات عندما فاز سنة 2016، لكنهم شككوا في نزاهة الانتخابات عندما خسر في 2020، تحديداً في الولايات التي خسرها، بينما الولايات التي فاز بها 2020 فلم يشككوا بها.

الإنسان يكون عرضة لتقبل التحليل المؤامراتي عندما يواجه مشكلة لا يستطيع حلها وغير مستعد لتقبل الهزيمة، وكلما كان الإنسان أكثر حدية في أفكاره (سياسة-دين-رياضة …) وغير مستعد للإقرار بالفشل، سيكون أكثر تقبلاً لنظريات المؤامرة.

  • أنها تجعلنا نبدو أكثر ذكاء ممن حولنا، تعتقد د. أنيكا رابو أستاذة الأنثروبولوجيا في جامعة ستوكهولم أن مما يجذب البعض لتبني نظريات المؤامرة أنها تظهرهم بمظهر ذوي التفكير العميق الذين يدركون مالا يُدرك غيرهم من السطحيين.

 يؤيد صحة تحليل د.رابو أن عادة ما ينتصر للتحليل التآمري الغير متخصصين معرفياً في المجال الذي يتبون نظرية المؤامرة فيها.

نظرية المؤامرة تمكنك من تعويض النقص المعرفي لديك في قضية ما، من خلال اتهام معلومات الآخرين أنها خاطئة.

  • تروج نظريات المؤامرة في أوقات الأزمات السياسية والاقتصادية، لأن الناس يقعون تحت ضغط نفسي كبير لا يمكنهم من تناول الأحداث بهدوء وعقلانية فيكونون عرضة لتبني لتحليل تآمري يعفيهم من تحمل أي مسؤولية عن الواقع الذي يعانون منه.
  • يعتقد بعض الناس أنه لابد أن يتناسب حجم السبب مع حجم الظاهرة، إذا وجدوا سبباً صغيراً لظاهرة كبيرة، شككوا فيه معتقدين أن السبب الحقيقي مخفي عنهم.
    لما فحصتُ معظم تحليلاتي التآمرية وجدتُ أن السبب الرابع قد يكون أكثر سبب يحملني على تقبل نظرية المؤامرة، هل يُعقل أن تموت ديانا في حادث سيارة عرضي؟ مثلا هكذا تصورتُ.

في الواقع سبب صغير قد يقود لسبب أكبر منه وتتسلسل الأسباب وتضخم مع الزمن.

من الجيد أن تفحص تحليلاتك التآمرية، حتى تعرف من أين يأتي الخلل عادة.

من يميل للتفكير التآمري ليس بالضرورة ساذجاً أو قليل التعليم، إنما شخص لديه ضعف في الانضباط العلمي، يتقبل المعلومة إذا وافقت هواه ويرفضها إذا خالفت هواه مثله مثل من لديه مغالطات منطقية في طريقة استدلاله، فليس شرطاً أنه لا يُحسن التعليل، لكن سمح لتحيزاته المعرفية والنفسية أن توجه طريقته في عرض الحقائق والتوصل للاستنتاجات.

ابحث عن المستفيد

نظريات المؤامرة محاولة تعسفية للتلاعب بالحقائق، وهي نظريات معقدة جداً ولا يمكن أن تظهر على السطح من تلقاء نفسها، فهناك جهات تعمل على نشر نظريات المؤامرة.

يرى د. قاسم قسام أ. الفلسفة في جامعة يورك أننا يجب أن نفرق بين منتجي نظرية المؤامرة والمستهلكين لها، من ينتج تحليلات وسرديات تآمريه ويغلفها بمعلومات مضللة هو يعمل من أجل هدف يريده.

إذا سمعت تحليلاً تآمرياً، عليك أن تسأل نفسك ما الغرض منه؟ هل تبحث جهة ما عن عدو وهمي تحمله مسؤولية قصورها؟ هل تهدف النظرية للتشكيك في مصداقية منظمات معينة؟ هل تهدف النظرية لزرع الذعر لدى شريحة ما، حتى يسهل توجيهها نحو هدف ما؟

مسؤولية الانترنت:

لا يمكن الحديث عن رواج النظريات المؤامرة في وقتنا الحالي، دون الإشارة إلى دور الإنترنت، فقد ساعد الانترنت على انتشار نظريات المؤامرة كما وكيفاً بشكل مرعب.

  وفرت منصات عدة مثل (اليوتيوب- توتير/ الفيس بوك/ السناب شات) الأرضية لينشر من شاء ما يشاء، غض الفضاء الإلكتروني بنظريات المؤامرة.

السؤال هل هذه المنصات ملزمة أخلاقياً بإيقاف هذا الهراء المعرفي؟
أعتقد نعم وبقوة، يجب أن تبذل هذه المنصات جهوداً أكبر لاحتواء هذه الأفكار السخيفة، فالتحليل التآمري له تبعات، وليس كل من يطلع على هذه المواد المضللة لديه اتزان نفسي وعقلي يمكنه من تقييم ما أمامه بموضوعية.

فقد راجت في بريطانيا قبل فترة نظرية تربط بين الإصابة بكوفيد-19 أبراج شبكات 5-G   إلى درجة أن هاجم بريطانيون هذه الأبراج!

في بعض البلدان العربية التي لديها تنوع عرقي وديني، تخرج نظريات مؤامرة تتُهم فيه أقليات بالاحتكار الوظائف القيادية والتعاون مع دول أجنبية.

هذه النظريات تجعل بعضا من أفراد الأقليات يعيش رعب الاستهداف المادي والمعنوي.

تعاملي مع أصحاب التحليل التآمري:

إذا استولت علي زوج فكرةُ خيانة زوجته له من دون أن يدعم هذه الفكرة وقائع، فإنه يصعب عليها أن تقنعه، إذا توددت له، اعتبر هذا تكفيراً عن خيانتها له، وإن جفته اعتبر هذا دليلاً على أن قلبها مال لغيره.

كذلك الحال مع المؤمنين بالفكر التآمري، فمهما بذلت من جهد لتقنعهم بخطأ تصورهم، فإنهم يتشبثون به أكبر، معتقدين أن هناك جهات فعلا تستهدفهم وأنت أحدهم!
 أتحدثُ هنا عن تجربة عريضة مع أنواع مختلفة من نظريات المؤامرة.

من واقع تجربة، لا يمكن انتزاع نظرية مؤامرة بسهولة متى ما استولت على عقل شخص.

ماذا فعلتُ لما قرأتُ الرسالة التي ابتدأت بها المقال والتي تعتبر كوفيد-19 مجرد خدعة؟

 خرجتُ من المجموعة فوراً!