عبدالله الأحمد
عبدالله الأحمد

د

الكتّاب والطبيعة

لا شك أن الإنسان ينأى بنفسه، أو تنأى به كلّما احتدمت بالزحام، ولو كان الزحام معنويا لا ماديا.

نيتشه

“قضى الفيلسوف فريدريك نيتشه سبعة فصول صيف – في عام ١٨٨١ ومرة أخرى بين عامي ١٨٨٣ و١٨٨٨- في قرية جبال الألب العالية سيلس ماريا في الزاوية الجنوبية الشرقية من سويسرا، حيث استأجر غرفة في مزرعة متواضعة -بعيداً عن المُدن المزدحمة والعواطف الحضرية المضطربة التي كان يخشاها- وكَتب بعضاً من أشهر أعماله: هكذا تكلم زرادشت، والعلم المرح، وأفول الأصنام.

كان يستيقظ في وقت مبكر جداً، ويكتب إلى بعد الظهر، وبعدها يخرج من ساعتين إلى ثلاث ساعات يتمشى -حيث كان على دراية بالمَمْشى الجبليّ الرّمادي الذي تعيش فيه جماعة معروفة باسم برونافيه، وعثر على مجموعات منهم في معظم المراعي، ووقع نيتشه في حبهم.

كان مفتوناً بصبرهم وحكمتهم في الحياة التي غالباً ما تكون أقل مثالية، لم يُظْهِروا أيّ نفاد صبر أو غضب، لا يبدو أنّهم يعانون من الحسد أو الندم على الفرص الضائعة، وبدا أنّهم لا يملكون خططاً للانتقام أو الخوف من المستقبل، لقد تصرفوا بهدوء في المطر وتحت أشعّة الشمس، عندما يهبط الرذاذ على أنوفهم وتُغنّي أجراسهم الثقيلة في رقابهم.

شعر نيتشه أنّهم وصلوا إلى حالة الهدوء والتوازن التي كانت هدفَ كلّ فلسفة الرواقيّين القدماء، وهي إطار ذهني يعرفه الإغريق باسم الـ “طمأنينة”.  ربما لم يقرؤوا الكثير من كتب زينون أو سينيكا، لكنهم كانوا فلاسفة بحق، لقد أعطاهم نيتشه دوراً مركزيّاً في فلسفته الخاصة في كتابه: هكذا تكلم زرادشت، حيث قال: “ما لم نتغير (أو نتحول) ونصبح أبقاراً فلن ندخل أبداً مملكة السماء”.

هنري ديفيد ثورو

يقول ثورو عن عدم زواجه: “إنّ الطبيعة كلها عروسي.” عندما نادى ثورو بمعاملة الطبيعة والكائنات الأخرى معاملة أخلاقية، اتهمته الجماعات المسيحية بالكفر.

عن مقال سابق بعنوان “على خطى ثورو” 2012
كان هنري ديفيد ثورو عالم طبيعة وفيلسوفاً ومؤلفاً شهيراً، أقام في شرق ولاية مساتشوستس الأميركية من 1817 الى 1862. وكان أيضاً نصيراً رائداً لإلغاء عبودية الزنوج وللعصيان المدني في وجه دولة غير عادلة. لكنه اشتهر أيضاً بأفكاره حول العيش البسيط الذي لا تنغصه التنمية المفرطة، في كتابه الشهير «والدن: الحياة في الغابات».كعالم بالطبيعة، وضع ثورو سجلات لمواعيد إزهار عدد من النباتات الشائعة. والآن، بعد مضي 150 سنة، قام فريق من الباحثين في علم الأحياء من جامعة بوسطن بمقارنة سجلاته مع سجلات الإزهار حالياً. فوجدوا أن مواعيد إزهار 43 نوعاً شائعاً تقدم بمعدل سبعة أيام منذ زمن ثورو.
تبين للباحثين أن بعض النباتات القليلة الحظ، التي لم تكن قادرة على التكيف مع القدوم المبكر للربيع، اختفت عن هذه الأرض. فعلى سبيل المثال، كان هناك 21 نوعاً من الأوركيديا (السحلبيات) في كونكورد بولاية مساتشوستس في ستينات القرن التاسع عشر، لم يبق منها إلا ستة أنواع. وهم تفحصوا النباتات نفسها التيدرسها ثورو، كما راجعوا سجلات عالم النبات ألفرد هوسمر الذي تتبع أيضاً خطوات ثورو في نهاية القرن العشرين. يمكن للنباتات أن تتكيف مع تغير المناخ بطريقتين: فإما تعدل مجالاتها، فتنتقل شمـالاً إلى مناطق أبعد عن خط الاستواء أو إلى مرتفعات أعلى، وإما تبدّل توقيت الأحداث الموسمية مثل الإزهار والتورُّق. وقد وجد الباحثون أن 43 نوعاً شائعاً من النباتات كيفت توقيت نشاطاتها استجابة لارتفاع درجات الحرارة في منطقة كونكورد بمعدل درجة مئوية واحدة منذ زمن ثورو. لقد وفرت سجلات ثورو لعلماء عصريين وسيلة لتتبع اتجاه تغير المناخ على المدى البعيد. وتتضح الاتجاهات البعيدة الأمد عادة من بيانات تعود للسنوات الثلاثين أو الخمسين الأخيرة. وللمرة الأولى،ي مكن مقارنة البيانات الحالية ببيانات من منتصف القرن التاسع عشر.

يقول ثورو قاصدًا كتابه (والدن وحي الغابة) : “عندما كتبت هذه الصفحات، أو الجزء الأكبر منها، كنت أعيش وحيدًا في الغابات. يبعد أقرب جار لي ميلًا عني. وكنت أعيش في بيت بنيته بنفسي في ماساتشوستس، وأحصل على لقمة عيشي بعرق جبيني. عشت هناك عامين وشهرين.”