لطيفة الشلوي
لطيفة الشلوي

د

للوحوش مشاعر!

في دورة تدريبية عن بعد مع الدكتورة داليا التونسي التي أحبها، وأتمنى لو رأيتموها أن تخبروها بذلك، لأني لا أخجل من إظهار مشاعري النبيلة. طلبت منا الدكتورة رسم وحش! فحاولت أن أرسم الوحش الخاص بي الذي أخافه، أو حتى أن أرسم أي وحش يمكن أن أتخيله، لكني لم أستطع ذلك!

فبدا لي أني لا أعرف وجوه الوحوش وملامحها! ربما لأن الوحش الخاص بي الذي أخافه هو المجهول! لذلك لم أكن أعرف ملامحه! ثم دار الحوار فيما بيننا عن الوحوش وصفاتها، حتى وصل بنا الحديث إلى هل يوجد وحش طيب؟ كان البعض يرى أن ذلك ممكن! والبعض الآخر يرى أن ذلك يستحيل أن يكون!

وبقيت في صف الفريق الآخر، الذي يرى أن الوحش جوهره أن لا يكون طيبًا، وإلا لا يمكن أن نطلق عليه اسم وحش! طال الحديث عن الوحوش الطيبة وطال معه تفكيري في ذلك، حتى وصلت إلى حكاية الجميلة والوحش، تلك الفتاة التي أسرها الوحش في قصره حفاظًا على حياة والدها، فاضطرت للبقاء معه حتى رق لها وأحبها وأراد الزواج منها! لكنها ردته بلطف، لأنه لا يعقل أن تتزوجه وهي الفتاة الجميلة الطيبة. لكن الوحش الوديع مرض، فرقت لحاله الجميلة وخافت أن يفقد حياته فوافقت على الزواج منه! فتحول إلى شاب وسيم! وأخبرها أنه تحول إلى وحش إثر سحر قديم!

حين قرأت الحكاية فكرت كثيرًا في وحوش الحياة الطيبين، هل كانوا بقلوب طيبة مثل باقي البشر؟ لكن شعوذة قسوة الحياة حولتهم إلى وحوش بقلوب قاسية ووجوه بشعة؟ وهل من الممكن أنه حين ترق لهم الحياة مرة أخرى وتعطف عليهم، وتريهم وجهها الجميل سيعودون إلى سابق عهدهم بقلوب جميلة؟!

في رواية العمى اقتباس جميل لا زال عالقًا في ذهني يقول ساراماغو “للقلوب القاسية أوجاعها”! هل أصحاب القلوب القاسية خلقوا بتلك القلوب؟ أم أن قلوبهم كانت هينة لينة، وتحولت إثر شعوذة قديمة إلى قلوب قاسية متوحشة!

مر وقت على هذه الدورة التدريبية ونسيت التفكير في تلك الوحوش التي تملك قلوبًا طيبة وتورطت بأشكالها المخيفة، والأخرى التي بدل حالها سحر الحياة! وبالأمس وفي أحد المكتبات عادت فكرة الوحش الطيب تلح علي من جديد حين رأيت قصة أطفال تحمل عنوان “للوحوش مشاعر” لا أعلم لماذا وقعت في غرام تلك القصة واقتنيتها، ربما هو وحشي الخاص يحاول أن يقنعني أنه وحش طيب ويملك مشاعر نبيلة!