ولاء عطا الله
ولاء عطا الله

د

عن الكتابة وصرعة الشهرة!

أنا لا أقلل هنا من الطموحين ولا من ذو الموهبة، ومن أنا لأتجرأ وأكتب عن الشغوفين بالكتابة؟ لكن وبما أن الكتابة أعتبرها جزءا من قدري، فلا مجال لكتم هذه الظاهرة.

أتذكر أنني بعدما ناقشت نصا قصصيا في نادي القصة العام الماضي، شعرت آنذاك أنني كأنني لم أكتب نصا جيداً من قبل، فقد مسح عقلي كل النصوص الجيدة وكل النصوص التي توجت بجوائز، مسحها بكل قسوة، كعقاب على النص البائس المزري الذي لا أعرف كيف طوعت لي نفسي بتقديمه لأساتذتي ومناقشته. و رويدا رحت أفكر بأن الكتابة هي المهنة الأشد وعورة على العقل، حيث أنها تستنفذ بلا أدنى مبالاة طاقة الكاتب حتى تحيله إلى كائن كافييني ونيكوتيني ذا عيون جاحظة وجسد روبوتي. وحتى عندما تعتقد أنك انتهيت، سوف تكتشف أنك لم تبذل سوى القليل جدا من ملكتك الإبداعية، هذا للذين يملكون درجة كافية من الوعي بالنقد الأدبي.

فأنت كلما كتبت كلما ازداد وعيك بالنقد، فلا تعود لذات الأخطاء التي لطالما وقعت فيها، بل تحاول المناورة كطائرة حربية خوفا من الاصطدام بالضربات المتوقعة، وعند الانتهاء لن تجد نفسك متعجلا بالنشر، بل أنك ستظل تراجع وتراجع.. ولسوف تندهش أنك اكتشفت الكثير من الأخطاء المكررة! لكن هذا لا يضايقك بقدر أنه يفرحك، فأنت الآن وصلت للدرجة الواعية من كاتب مستقبلي جيد بامتياز.

فمثلا عندما احمرت وجنتاي خجلا من توبيخ استاذي، كنت أعرف أن ما كتبته هو هراء فعلي، وتحول رأسي لكيس ملاكمة محاولا فهم ما الذي حدث وجعلني أتعجل هكذا. لكن المعركة انتهت وبقت هذه الأفكار عن الكتابة تقلق رأسي وتملأها بالسلبية، حتى تفاجئت بحوار صحفي مع الكاتب الجزائري “الحبيب السائح” في مجلة العربي، وهو يعترف بدوره أن الكتابة هي مهنة قاتلة والسطور القادمة هي رأيي ورأي الكاتب معا. تخيل أن تفرغ نفسك ليوم كامل متخيلا أنك بذلك سوف تنجز نصك، لكنك لن تأخذ من كل هذه السطور سوى بضعة فحسب. وهذه ليست حالة نادرة، إنما هذا هو روتين كل الكتاب، فالحذف هو أكثر إجراء يأخذه الكاتب قبل وضع النقاط.

تخيلوا أن هذا يحدث لأكبر الكُتاب حنكة، فما بالكم بالمبتدئين؟ بل للذين لم يكتبوا نصا واضحا من قبل؟! هؤلاء الذين بمجرد كتابة بعض الخواطر على شاكلة النثر والسرد اليومي، ولنضف في صفهم بعض المشجعين والمصفقين الجاهلين بالكتابة وقواعدها، وكل ما يفقهوه أن صاحبهم هذا يكتب جيداً، فتأتي النعرة الكاذبة حتى يظنوا أن في وسعهم الكتابة، بل أنهم يرون أنهم أفضل حالا من كتاب شباب يملأون الساحة بالترهات “على حد قولهم” ، ولربما هم أفضل أو من يدري؟!

لكن هذا الغرور سوف يلطم خدك إذا فكرت في نصحهم، أو سوف يتجاهلوك تماما حتى لو كان هناك زمالة بينكما، كما حدث معي حينما علقت على منشور زميلة تقول فيه أنها ليست أقل ممن يكتبون وعليها أن تبدأ في كتابة كتاب. فقلت لها أن هذا يحتاج لكثير من ممارسة القراءة والكتابة التجريبية لصقل الخبرة. وبالمناسبة هذا يكون نفس الرد عندما يسألني أخي بإلحاح ويأس عن تأخري في كتابة رواية! المهم أنني لم أقصد تحجيم رغبة زميلتي هذه وطموها بقدر ما قصدت بالنصح.

“هناك من يأتي ليناقش وبمجرد توبيخ نصه لا نراه مرة ثانية” هذا كلام أحد أساتذتي. قاله عندما كنا نتنافش حول لسعة النقد وتخوف الكثير منه، واتفقنا جميعاً “أن لا أحد يتحمل النقد إلا الكاتب الحقيقي”، والغريب أن أستاذي هذا كثير من قصصه تلقت بنقد لاذع رغم مشواره الأدبي الرفيع. لا معصم إذا ولا منجى من النقد ولو كان كاتب زمانه.

المشكلة برمتها تدور حول المحيطين بنا، هم أساس كل شيء مائل، نحن المرآة وهم الصورة المعكوسة عنا. نحن لو قررنا التنحي عن هذا العالم، وجعلنا لأنفسنا المساحة الطبيعية في جعل الأمور تُدار بتسلسلها الصحيح، لما ركبنا الغرور والتعجل بنشر أسامينا فوق كتب لن يتذكرها أحد. أعرف أننا نحتاج لكلمات الدعم والتشجيع، لكن عندما تأتي من الأشخاص العاديين لا تعول عليها، بل عول على كلام ونصائح المتخصصين وحسب.