الجازي يوسف
الجازي يوسف

د

هاجس الكمال

الھاجس الأكبر منذ أن بدأت الحیاة البشریة، فالحیاة أصبحت مرتبطة بالسعي إلى الكمال في جمیع جوانبھا. عجباً! أصبحنا ننسى الاستمتاع بما نحن عليه الآن ونبحث عما یكمل ھذه اللحظة وننشغل به.
وصل أحدھم إلى منصب ما ثم أتته الرغبة للمزید من الترقیات وتولي السلطة الكبرى، وما استكمل یوماً واحداً من الوصول إلى النقطة التي ظن أنھا ذروة الكمال.
أصبحنا نتكلف حتى بالجملة التي ننطقھا في وقت عابر كیف تكون بالشكل الأمثل للمستمع وأصبح المؤلفون ینتقون أصعب الكلمات لیُقال عنھم أنھم وصلوا لحد الكمال والتمام من الثقافة والمعرفة متناسین الھدف الأسمى والأول للكتابة بأن تكون سھلة سلسة تصل بمعناھا للقلوب قبل أن تصل الى محركات البحث لإیجاد معناھا لاستكمال القراءة من قبل القارئ الذي یكون في حالة التلھف للمعلومة!
یقول الدكتور علي الوردي:

“الكمال أمر اعتباري، فما ھو كمال الیوم قد یصبح ناقصاً غداً وما ھو كامل في نظرك قد یعد ناقصاً في نظر غیرك”.
لنقف عند ھذا الحد من السعي والبحث عن ھذه النقطة لأننا ما إن نصل إلا وقد نجد جزء آخر ناقص ینتظر البناء.
أنت دائماً كامل وإن لم تشعر بذلك فحالتك قبل وصولك للحالة التي تدعي بھا الكمال لم تكن إلا ھباء قبل وصولك إلیھا!
اِحلم واِسعَ وحقق وأنت في أتم الیقین أنك في حالة الكمال منذ أن خلقت وما یتھافت علیك في كل فترة من حیاتك ما ھي إلا متطلبات تطلبھا نفسك لتثبت نفسھا ولن تنتھي أبداً لذلك أسعى باستمتاع ولا تتعلق باللحظة والأشیاء ومھّد الطریق البدیل إن لم تسر الأمور في نصابھا الصحیح.
من تجربتي الشخصیة كنت في مقتبل العشرین من عمري وأنا أبحث عن الوقت المناسب التي تكون فیه مفرداتي اللغویة كاملة وفصیحة لأنشر اول مقال لي. لا أقول أني كنت على غیر حق، على العكس تماماً كونت لي ھذه الرغبة قراءة الكثیر من الكتب والتعلم من كل حرف وجملة.. ولكن لم تأتي لحظة الكمال بعد لأصبح بھا مثل الكاتب الفلاني بطریقة سرده والآخر بشدة انتباهه في كل سطر.
استوقفني موضوع الكمال، تعمقت به ووجدت أني في ھذه اللحظة وجبت عليّ الكتابة ولتكن أول مقالة لي السبب الرئیسي لتأجیلي لھذه المسیرة التي أجد بھا نفسي، وإن لحظة الكمال ما ھي إلا سراب أمامنا كلما اقتربنا منه ابتعد عنا.
لكل شخص أجل أي أمر لیصل لتلك اللحظة “الكاملة”: ابدأ الآن ولا تدع ھذا المصطلح شماعة ھرب تعیق كل شيء جمیل في حیاتك!
دائماً ردد اللھم الحكمة والاتزان، فإن اتزنت وحكّمت أمرك أدركت وأیقنت بأن كل لحظة ھي ھبة من الله لبدایة كل أمر جمیل.