زيد الشريف
زيد الشريف

د

كيف تؤثر قناعاتنا فينا؟ محاولة للإجابة من خلال (زقاق المدق)

قبل أيام دار نقاش بيني وبين إحدى الأخوات في (تويتر) وفي أثناء ردودها، احتجت علي بأن ما أقوله ليس إلا قناعاتي التي تخالف الواقع، حيث قالت: ” مثلك سيجد ألف طريقة وطريقة لإخضاع كُل المواقف والحوادث والقصص والشخصيات لقناعتك والحكم عليهم من خلال تلك القناعة”

حسنًا.. 

لم أكن في يومٍ من الأيام -وما زلت- ممن يؤمنُ بتلك الدورات التي تحاول إيهامنا بأن الإنسان يمكن أن يتحول -بين ليلة وضحاها- إلى (سوبر مان) أو حتى إلى (جنتل مان)! .. لكني بالمقابل أؤمن كل الإيمان بأن (الله عزوجل) قد وضع في كل واحد منا القدرة على صناعة ما لم يكن أحد يتوقعه من شخص مثله، بل ومالم يتوقع هو ذاته أن لديه القدرة على فعله!

كيف يكون ذلك؟

هل سمعت عن كتاب (العادات السبع للناس الأكثر فاعلية)؟!

لا هو ولا غيره من الكتب والدورات والورش التدريبية يمكن أن يحدث تغييرًا جوهريًا في حياة الإنسان مالم يأتي ذلك التغيير من داخله، من قناعته الذاتية.

ولقد وجدتني أتأمل تلك الحقيقة، بل أراها  -رأي العين- وأنا أتنقل بين ثنايا (زقاق المدق) للكبير (نجيب محفوظ).

إن العمل الذي ظهر سينمائيًا بذات الإسم (زقاق المدق) قد فشل فشلاً ذريعاً في معالجة  الرواية بشكل ينقل ولو بعضًا من روح النص الذي استطاع (محفوظ) أن ينحت فيه النفس البشرية؛ مظهرًا تلك التفاصيل التي تعشعش في وجدانها -السحيق ربما-!

ومن تلك الصور البديعة لتفاصيل النفس البشرية وتقلباتها – والتي عمت جميع شخصيات العمل- ذلك التأثير الذي تحدثه (القناعة) على صاحبها، فلا يعقد أمرًا، ولا ينفك عن آخر؛ إلا وكانت هي المحرك إلى الأول، والمراجعة عن الثاني!

ولنأخذ بطلة العمل (حميدة) كمثال…

هذه الفتاة التي غلبت عليها نفسها؛ المتطلبة، المتطلعة إلى ما لم يكن في يدها. فأطاحت بكل ماتملك (الإستقرار- أمها- عباس الحلو) مقابل المشاكسة من أجل المجد، بأي طريقة كانت!

فما الذي دفعها إلى ذلك؟!

إنها القناعة.. لقد كانت (حميدة) مقتنعة تمام الإقتناع أن (زقاق المدق) ذلك الحي التعيس -في نظرها- لا يستحق جمالها الفاتن. وما كانت كلمات (الأستاذ إبراهيم) لتؤثر في شخصيتها الصلبة، المتمردة؛ لو لم يكن ذلك الاقتناع راسخًا فيها منذ البداية.

كما أن شخصية كـ(عباس الحلو) لا يمكن إلا وأن يلحظ فيها القارئ تلك القناعة التي تظهر في تعلقه بـ(الزقاق). ذلك المكان الذي ظل يرى فيه؛ مرتع الطفولة، وموطن الشباب، وأرض الأحلام التي لا يبغي عنها بدلا؛ رغم رحلته إلى (التل الكبير) التي عاشر خلالها (الانجليز) ورأى فيها حياة اللهو والترف. لكنه ظل متمسكًا بـ(الزقاق) لأن قناعته كانت تحثه على عدم التفكير بسواه.

ثم لنأخذ شخصية (سليم علوان) -من شخصيات العمل الثانوية- ونرى  كيف أن قناعاته وحدها هي من جعلته يتأرجح بين (الإنفتاح على الحياة) وبين (التوجس والخوف، وترقب الموت!) فعندما كانت قناعته تقول له: أنت أحق بأكثر من هذا.. كان يرفل في ثياب القوة، ويحمل بين جنبيه طموح ابن الثلاثين، لا يثنيه شيب خط الشعر، ولا تلك السنون التي جاوزت السبعين؛ فلما تبدلت القناعة، صار لا يرى في الحياة سوى أشباح موت تطارده، وعيون حساد ترقبه!

وبعد.. فإننا يا سادة لا نكاد نعرف أن لنا رغبة في شيء ما إلا ونجد أن أنفسنا تصارع كل ما يعارض تلك الرغبة فتهدمه؛ إلا إذا اصطدمت بالقناعة فإنها غالبًا ما تفشل في تجاوزها، فإن حصل ذلك؟! فإن القناعة ما تنفك ترجع لتسيطر، وتأخذ بزمام النفس.

همسة..

“ما نحن إلا قناعاتنا، فتعاهد قناعاتك”.