هيثم عمر
هيثم عمر

د

روح القانون!

تخيل معي قاتلًا… سارقًا… مغتصبًا… مختلسًا… ظالمًا… آثمًا. يبحث عن العدل في هذه الدنيا، ويقاتل من أجله.

ما الذي يدفعه لذلك؟!! …ما الذي يدفعه نحو تحديد صلاحياته والحدِّ من أفعاله وآثامه؟!!

أهي توبة متأخرة… أم سبيل لتنفيذ ذلك كله تحت غطاء ما…

ذلك هو الإنسان. مبدأ الإثم كله، فالقاتل إنسان… السارق إنسان… المغتصب إنسان… الظالم إنسان… والآثم إنسان أيضًا.

فلم أوجد الإنسان القانون؟

ولمن؟

أهي ورقة تأمين لنفسه؟

غطاء لأفعاله؟

أم سبيل لإسكات صوت داخله؟

مهما كان الهدف من وضعه… ومهما كان السبب الذي دفعك لإتباعه والإيمان بصحته وقدرته… فإنه – القانون – ناقص بعيد عن الصحة والكمال، مليء بالثغرات، ظالم وقاسٍ…

فكيف لذلك المتوحش الظالم أن يخلق عدلاً ونوراً، في عالمٍ أركانه الإثم والظلم…

ابتدع الإنسان ” قانونًا ” يطبق بحذافيره وأركانه… لا يتكيف مع العصر والزمان… قانون جامد ثابت… وكأن من ابتدعه غير عالمٍ بالإنسان ونفسه…

فالقانون جسد، لا حياة له دون روحهِ

فكم من قاتل نفذ بجلده، وكم من سارقٍ خرج من إثمه وابيض سجله كما تخرج الشعرة من العجين. لأنه فهم وتلاعب بجمادٍ هو العدل في نظركم…

يقف المدافع عن الإثم والحق ( المحامي )، أمام الآمر الناهي ( القاضي ) في عرصات المحكمة والثقة تشع منه؛ فلا خوف من جسد لا يبصر ولا يسمع ولا يقول إلا ما أمليت أنت عليه.

وكأنه وُجد ليُقفز فوقه… أو لإمضاء الوقت وتضييعه…

لنقرب الصورة أكثر…

فأقرب مثالٍ لعقلك وواقعك… هو المشفى الذي يرد إليه الآلاف يوميًا، بحثًا عن مُسكنٍ للدنيا وآلامها.

المشفى مليءٌ بالأطباء والمرضى، أناسٌ أقسموا أمام الله وأنفسهم بأن يكونوا مدافعين… رؤوفين… رحيمين بكل من جاءهم ولجأ إليهم.

لكن القانون ظالمٌ…

لا مال… لا علاج  { ذلك هو القانون }

كل عملية فيه حتى لو كانت تحويلًا بسيطًا من عيادة إلى أخرى داخل المشفى نفسه… تلزمك بأن تعصر محفظتك مقابلها وأن تخط توقيعاتك على مئات الأوراق مقابل التنازل عن حياتك لخطأٍ بشري…

لا مكان للرأفة هناك… فمن يطبق القانون أعمى منزوع الإحساس والرأفة ملزمٌ بقاعدةٍ هي أن القانون حقٌ على الجميع، لا حقٌ لهم وأن الرأفة والإحساس بالآخر ضعفٌ… لا قوة.

خذ هذا المثال، وعممه على الدنيا كلها…

فكيف للجسد أن يحيا وأن يترك أثرًا دون روحه

وكيف للقانون أن يكون عادلًا، دون روحه، النابعة من إنسانيتك أنت.

مقصدي من هذا كله، هو أنك أنت بجانبك الجيد والسيء بالخير والشر وبالفطرة التي خلقت عليها من أوجد هذا القانون بخيره وشره؛ لذلك فإن الشرط الذي يضمن تحقيق أهدافه ومقاصده لن يكون ذا نفعٍ إن كان الجسد ميتًا… وإن كان القانون حاجزاً قصير الطول، يُقفز من فوقه، فيُظلم ذو الحق، ويعطى الأمن لمن لا حق له.