يزن مهنا
يزن مهنا

د

في فقه البوح والحُب

لعل رغبة الإنسان في البوح واحدة من أرهقُ حالات الكبت، ألا يتجرأ الإنسان على أخذ موقعه العاطفيّ المُستحق في حياة الآخرين، أو أن يخجل من ضم أخته وهي تبكي لأنه لم يعتد أن يواسيها، أو حتى أن يبكي لبكائها.
أن يخجل شابّ من أن يبكي في حضن أمه إذاما خُذل، فيعيش نقصان الحنان خجلاً من البكاء بين يديها، أن يخجل من مواساة صديقه إذا حزن.. لأنه لم يعتد أن يظهر تعاطفه، وأن يخجل من أن يخبر أخيه أنه يحبه بدون سبب.
أن تتردد الأم في التّعبير عن حبها باستمرار لحساسية ما في العلاقة، أو الزوج لزوجته بدون سبب.
أن يهاب الإنسان في التّعبير عن شوقه لمحبوبه في وقت يلسعه الشوق، ورغم ذلك يهاب وكأن الشوق شتيمة!

تخيلوا كمّ الطّاقة الإيجابية، والمشاعر الجميلة التي نخفيها ونقتلها ترددّاً.. نحن نخاف الحُب، نخاف لين القلب،
نخاف حتى أن يُحكم علينا بلين القلب.

تدخل العلاقات بحساسيّات تجعل من الصعب أن يأخذ الإنسان موقعه العاطفي الضروري أحياناً، وتخيفه العفوية العاطفية.
أن تشعر بحاجة للبوح بحبك او تعاطفك ولا تستطيع، بسبب الحسابات المعقّدة.

أعرف فتاة تزوّجت منذ فترة غير طويلة وهي باستمرار بمشاكل مع أهلها بسبب زوجها، رغم هذه المشاكل احتفظت بحبها لزوجها واستطاعت الفصل بين علاقتها به وعلاقتها بأهلها، لكنها لم تعد تتجرأ لكثرة الحساسيات أن تعبّر لهم عن حبّها، لم تعد تستطيع أن تخبر أمها أنها اشتاقت لها أو أن تبكي في حضنها و أن تشكي لها مع أنها في أشد الحاجة.

كثر الحساسيات خلق حالة من ترددات معقدة في علاقتهنّ، باتت تشعر أنها ستبدو سخيفة أن تقول لأمها: “بحبك” من دون أي سبب، فتبحث عن حديث كي تقولها في سياق جملة ما او عن موقف يسمح لها بالتعبير دون أن تكون محرجة!
مرّات كثيرة تربّصني القلق بسبب بوحٍ لم أتجرأ عليه، وحبّ لم أستطع أن أقوله.. لا أفهم لم حاجتنا كي نعبّر ونبوح.. ما المتعة وما الرّاحة في ذلك؟
لا أفهم ما هي الحاجة والرّاحة في العطاء حتى.. لكنها حاجة غاصّة.

هذا النوع من الكبت مرهق لك كمُتعاطف، وكمُعجَب، ومُحِنّ..

مرهق لك كشخص يشعر دائماً أن عاطفته قادرةً على حل الموقف ولا تجرؤ على إعطائها.. أو تخاف من النظرة التي ستُرمق بها!
فتصمت وتصمت طويلاً..
ولسبب ما بالنّهاية.. تختار الهروب والإنسحاب.

أحبّ.. أحبّ بكلّ ما أوتيت من قوة وعبّر بكل ما تسعفك الكلمات..
وأعطِ بكل ما أوتيت من طاقة.. كن كريماً بحبّك قولاً وفعلاً..
حتى إنك على الأقل إذا غادرت يوماً ستغادر بضمير..

فإلى من لازال يهمّهم الأمر سأظل أقول أحبّكم، ومازلت بحاجة أن أبوح بحبّي
فأول ما يُتلى في الحُبّ حُبّي، وبعدي يتلوا العُشّاق من لهبي..