زينب حجّار
زينب حجّار

د

مشاهير التواصل الاجتماعي بين الواقع والخيال

عُرض برنامج شبابي يشارك فيه العديد من الشباب من مختلف الدول العربية، وكان ضمن المشاركين شابة مميزة لديها حضور قوي على مواقع التواصل وشهرة واسعة، المثير في الأمر أن فئة من الناس استغربت “اختلاف” شخصية الشابة المشهورة على مواقع التواصل الاجتماعي وشخصيتها في البرنامج.

لحظة.. لا يوجد داعي لإحضار الفشار، ليست تدوينة لاغتياب أحد أو التقليل من شأن أحد، لكن دعني أذكّرك بالدهشة التي شعرت بها عند ملاحظتك اختلاف “شخصية” وحضور أحد الذين تعرفهم في الواقع وتصرفاته في مواقع التواصل؟ أو ربما أخبركَ أحدهم أن شخصيتك في الواقع تتناقض مع حضورك في مواقع التواصل!

مع تجذّر مواقع التواصل في حياتنا أكثر فأكثر.. أصبح من الصعب تذكير أنفسنا أن ما ننشره وينشره غيرنا على مواقع التواصل لا يعبّر عن الواقع بشكل كامل.

عالم الديجتال وأبطال الديجيتال

في سلسلة لطيفة للدكتور عبد الرحمن ذاكر الهاشمي بعنوان “الحياة على كوكب الوهم” في قناة “السبيل” والتي تحدث فيها عن الأمراض والمشاكل النفسية التي نتجت عن مواقع التواصل الاجتماعي أو كما يُسميها “كوكب الوهم” أو “عالم الديجيتال” والمؤثرون “أبطال الديجيتال”، السلسلة لطيفة ومثرية أنصح بالاستماع لها، بل والاستماع لها بين فترة وأخرى، تذكيرًا وحماية للنفس من الإشكاليات التي يمكن أن تنتج عن مواقع التواصل الاجتماعي.

في إحدى حلقات السلسلة ذكرالدكتور الهاشمي مثالًا لشابة مشهورة التقت بها شابات أخريات وكنّ ينصحنها أو يناقشنها في أمر ما، طوال الحديث لم تردّ المشهورة عليهن واكتفت بالتبسّم، ثم عادت للمنزل وكتبت لهن رسالة لتردُّ عليهن- مع أنها كانت تستطيع الرد أو مواجهتهن على أرض الواقع لحظة النقاش- أو إن كانت لا تكترث بهن ولا تريد الرد عليهن لتجاهلتهن تماماً ولم ترسل لهن رسالة بعد الإنصراف من الجلسة- لكن عدم استطاعتها الرد عليهن وجهًا لوجه يدل على ضعفها وعدم قدرتها على الرد وجها لوجه بعكس العالم الافتراضي أو بعكس الصورة التي بَنَتها عن نفسها طوال سنوات تواجدها في وسائل التواصل الاجتماعي.

صور مُنتقاة وغير كاملة

حدثني أحد الأصدقاء عن تجربته في الدراسة مع شخصية مشهورة على مواقع التواصل – أعترف أنني  كنت أضع لهذه الشخصية هالة من “القدسية” – ذكر بأن هذا الشخص مغرور جداً في الواقع وكثيراً ما يقوم بعمل مداخلات أثناء المحاضرة، أحيانًا تكون مداخلات حقيقية ومثرية حقاً، وأحيانا أخرى للاستعراض دون أن تكون مداخلاته مرتبطة بالنقاش أو بالمحاضرة- وهذا رأي الكثير من الطلبة أيضا – أي أن هذا الشخص المشهور ذكي ومثقف فعلًا لكن في الوقت نفسه لديه صفات سلبية مثل الغرور والتي قد تنفر الآخرين منه – الذين يتعاملون معه في الواقع طبعاً.

ففي تعاملاتنا على أرض الواقع وبالتواصل الحقيقي قد نتعرّف على الصفات الإيجابية والسلبية لدى الأشخاص، لكن الأمر غير متوفر – غالباً- في مواقع التواصل، حيث يختار الشخص (المؤثر أو الشخص العادي) ما ينشره أو ما لا ينشره على مواقع التواصل، ويتحكّم في صورته عند الآخرين، فمن يريد أن ينشر منشورات سيئة أو سلبية عنه؟! ربما يقوم بعض الأشخاص بنشر منشورات سلبية عنهم (مثل صورة بدون مكياج أو شي يعكس فشلهم) وهذا أمر جيد، لكن كم نسبة المنشورات السلبية والمنشورات الإيجابية عن الفرد؟!

أعتقد أنه ينبغي التقليل من عدد المنشورات أو الأمور المنشورة على مواقع التواصل، من أجل تخفيف أثر الصورة الرائعة التي تُرسم في مخيلتنا عن (المؤثرين أو الناس العاديين) على مواقع التواصل، فالذي ينشر 3 منشورات يومية إيجابية تحسّن صورته يختلف عن الشخص الذي ينشر منشور أو منشورين أسبوعياً.

في النهاية لا أعني التجاهل التام للشخصيات المشهورة على مواقع التواصل، فكثير منهم يمكن أن يزودونا بالمعلومات أو الأفكار التي يمكن أن تفيدنا أو تُلهمنا بشيء، لكن لنخلق دائماً مساحة مجهولة عن الشخص (مؤثر أو عادي)، لنقل أنني “أتابع” فلان في مواقع التواصل. لكن في الوقت نفسه لا أعرفه شخصياً، وهناك احتمال أن يكون حضوره مزيفاً أو ناقصاً.