أميرة المضحي
أميرة المضحي

د

في عيد فيروز والموسيقى!

في الخريف،  الفصل الأجمل من كل عام،  يحتفل عشاق فيروز بعيد ميلادها في 21 نوفمبر / تشرين الثاني، الموافق لعيد الموسيقى أيضاً،  يستذكرون حكاية تلك الصبية التي كانتها في حي زقاق البلاط البيروتي،  والشغوفة بالموسيقى والتي اكتشفها الملحن محمد فليفل فانضمت إلى جوقة الإذاعة وبدأت بالغناء في الكورس، وسرعان ما شقت طريقها منفردة  بعد أن اختارت لها اسم «فيروز»، وحتى اللقاء الفارق بالظاهرة الفنية «عاصي الرحباني»،  وهو اللقاء الذي غير مسار حياتها الشخصية والفنية إلى الأبد، وأصبحت مع الأخوين رحباني- عاصي ومنصور – ثلاثياً غير تاريخ الموسيقى العربية في ثورة فنية لا سابق لها،  وظهر سؤال لا جواب له عن سر هذه السيدة ودورها في هذا الثلاثي منذ الخمسينات وحتى رحيل عاصي الرحباني عام 1986،  وبرغم كل التساؤلات بقيت هي القصة كلها والقضية الجامعة،  وأهم فنانة مرت على هذا المشرق بعد أن حفرت أسمها في سجل الخلود.

في 21 نوفمبر والذي يسميه عشاق فيروز في وسائل التواصل الاجتماعي #عيد_الدني يتشارك «الفيروزيون» صورها وأغنياتها ومقتطفات للقاءاتها التلفزيونية النادرة وكلمات الحب لفنانتهم الأثيرة.  هذا العام توافق مع بلوغ السيدة فيروز عامها الخامس والثمانون وهي مازلت أيقونة العرب الفنية وجامعتهم الوحيدة، وسفيرتهم إلى النجوم كما قال عنها يوماً الشاعر سعيد عقل.  كما تصادف هذا العام أيضاً مع زيارة رئيس الجمهورية الفرنسية إيمانويل ماكرون إلى لبنان، ودارة السيدة فيروز في الرابية وتكريمها بأعلى تكريم رسمي في فرنسا وهو وسام جوقة الشرف.

لطالما تساءلت، وغيري من عشاق السيدة فيروز، كيف سيكون شكل صباحاتنا وأمسياتنا دونها؟  كيف سيكون مذاق قهوتنا ومشاويرنا اليومية ورحلاتنا؟  من سيغني لمدننا العربية بهذا اَلنُّبْل والكبرياء والجلال؟  من سيكون سفيراً فوق العادة لقضايانا العربية؟  من سيغني للحب والأوطان والحقول والطيور والموانئ والزهور والطفولة والمواسم والأعياد والذكريات والقيم الإنسانية النبيلة؟ من سيكون رفيقاً طيباً لأيامنا الصعبة والتي جعلها صوتها العذب أخف وطأة، فصوتها قادرٌ على الربت على أكتافنا ليقول لنا بأن القادم أجمل رغم الحروب والفواجع والكوارث الإنسانية.

لطالما آمنتُ بأن على الإنسان أن يخصّص جزءاً من وقته للاستماع إلى الموسيقى الراقية لقدرتها المُثبتة على معالجة الضغوطات النفسية والجسدية، ولتحسين علاقة الإنسان بنفسه وبالعالم، فساعة فيروز الصباحية لها الأهمية ذاتها في التخفّف من الضغوط اليومية، وخير فاتحة للنهارات المثمرة.

أبدأ أولى مقالتي في أراجيك بتحايا متعددة لهذه الأيقونة العربية، تحية حُب لمساهمتها بالارتقاء بذائقتنا الفنية، وتحية شُكر لما منحته أغنياتها ومسرحياتها من سعادة، وتحية امتنان للتأثير الإيجابي لفنها وصوتها على نفوسنا، وتحية تقدير لحالة الحضور السامية التي تصيب ذواتنا كتأثير اليوغا والصلوات وجلسات التأمل ونحن نستمع إليها في مبتدأ أيامنا.

كل عام وأنتِ بخير يا سفيرتنا إلى النجوم، فصوتك أحد وسائلنا النبيلة لمحاربة قبح العالم ..