زيد الشريف
زيد الشريف

د

فوبيا النقص.. من (صدفة ليل) لعبده خال

لصِقت بذاكرتي منذ زمن لا أذكره؛ تلك المقولة التي تقول: “إن النص الذي يحتاج إلى أن يدافع عنه أحدهم؛ نصٌ ولد ميتًا”.

وعرفت بعد ذلك أن هناك منهجًا نقديًا يدعى (موت المؤلف) يحمل ذات المعنى.

لكني عندما مررت بنص رواية (عبده خال ) هذه؛ وجدتني لا إراديًا اقرأوها وأنا ألبس نظارة (إيديولوجية) -بوجه أو بآخر- ولعل ذلك يعود إلى معايشتي لتلك النقاشات (التيارية) -إن صحت التسمية- والتي ملأت الوسط الثقافي السعودي  لسنوات مضت؛ حيث كان الأستاذ (عبده خال) أحد المشاركين فيها، بينما كنت أنا أحد المتأثرين بها.

ورغم محاولاتي المستميتة؛ قراءة النص بعيدًا عن كل هذا؛ إلا أني لم أنجح.

هل هذا يعني أن نظرية ( موت المؤلف) سقطت -عندي-؟

أجدني جازمًا أن النص الذي يُقرأ بناءً على هذه النظرية؛ هو الأقرب إلى المتعة، والفائدة؛ ويبقى لبعض النصوص خصوصيتها.

وعلى العموم؛ فلم نأتي إلى هنا من أجل هذا…. فتعال نتحدث عن  ما وعدتك به في المقدمة.

يولد ابن آدم كاملًا -كمالًا نسبيًا يكفي لإقامة حياة متوازنة- حتى إذا بدأ البحث عن الكمال -الكلي- اختل توازنه، وفقد بوصلة الحياة

هكذا قضت سنة الحياة، وهذا ما بدا لي وأنا أتصفح شخصيات الرواية.

فها هو (فائز) الذي حمل أوزار العبودية – ورثها كوصف إجتماعي- يحمل في طياته عبء الشعور بالنقص؛ الذي يحاول الانتصار عليه من خلال الزواج بأجمل نساء الحارة، كما قرر الثأر من المجتمع؛ من خلال العمل (سيافًا) يقتص رقاب أبناء ذلك المجتمع العنصري.

وقد حصل على ما أراد؛ لكنه خسر كل ما حصل عليه -كما سترى عندما تقرأ الرواية- وذلك لأنه ظل على الدوام مهووسًا بالكمال؛ مما جعله ينحرف عن مفهوم الحياة الناقصة.

و تعال ننظر إلى (فيصل)، الشاب الذي  فُجِع لموت صديقه -الذي كان يشاركه المنكرات- فقرر أن يعود إلى الله

لكنه عاد عبر الطريق الخطأ؛ (طريق الكمال) فماذا حصل له؟

 لقد جر الويلات على نفسه، وعلى مجتمعه.

ودونك إن أردت (سليم ) -والد فيصل- الذي وهبه الله عائلة، وصحة، و شيئًا من الوسامة؛ فهل رضي بذلك؟

لقد رفض إلا أن يكون كاملاً!

ولما لم يستطع إلى ذلك سبيلا؛ قرر أن يفسد فرحة من ظن أنه قد أخذ منه القطعة التي تجعله كاملاً..

فعوقب بالهم إلى نهاية عمره.

ورغم اكتظاظ العمل بالشخصيات التي تهاب النقص؛ إلا أننا نجد ( طارش) ذلك الشخص الذي تكيف مع كل العيوب، والنقائص التي لحقت بحياته؛ ليعيش متوازنًا، مؤمنًا أن النقص في جانب يمكن تغطيته في جانب آخر؛ لا أن نظل طوال العمر في محاولة لإسكات ذلك النقص؛ الذي قد لا يسكت أبدًا!

وبعد 

فإننا بشر .. وهذا -لو وعيناه-  يكفي والله لنعيش بسلام داخلي وخارجي.

إن الإنسان الذي يرفض بشريته، يرفض الإيمان بطبيعة الوجود.

ولعل هذا الحديث يجرنا إلى الحديث عن ذلك المجتمع الذي يطمح إلى الكمال!

فهل هناك مجتمع كامل؟

مما يتكون المجتمع؟

من البشر 

إذاً هو مجتمع ناقص بشكل عام؛ وكلما حاول الكمال سقط في النقص. فإن تعايش مع نقصه؛ محاولاً التقليل من أخطائه؛ ترقى إلى أعلى مراتب المجتمعات البشرية الناقصة.

وانظر إلى مجتمع الحبيب صلى الله عليه وسلم؛ يتضح لك قصدي.

همسة.. ” أنت بشر، الآخر بشر، المجتمع  ناقص؛ ولا يمكن أن يصبح كاملاً”.