ولاء عطا الله
ولاء عطا الله

د

درسٌ مُستفاد: فكر كي تجري بك الحياة..

في وقت باكر من العام الماضي كنت متقوقعة خلف شاشة هاتفي بلا  هدف أو معنى، خائفة من أن الحياة ستمر علي عاما بعد عام وأنا هكذا، بذات الخمول واللاشيء، فعلياً لم يكن هناك أي حركة في حياتي، لا عمل ولا ممارسة هواية بشكل دائم، عدا الكتابة التي لم  أكن أخذها على محمل الجد إلا عندما تجرأت وقررت في ديسمبر الماضي أن أشترك في مسابقة كبيرة نسبياً رغم عدم جهوزيتي لها وكذلك ضيق الوقت، لكنني قد حسمت أمري وقلت يكفي أنني سأحاول!

وللأسف خسرت وحقيقة كنت أعرف أنني سوف أخسر، لأنني كنت كمن يريد التجديف دون عصا، أشياء كثيرة كانت تنقصني، ورغم أنني بذلت جهداً في هذا السبيل إلا أنني لم أندم ولم أحزن لخسارتي، لكن تعلمت أن اللعب في الوقت الضائع ليس مضيعة، لأن كثرة الضغط الذي جلبته لنفسي قد خلَّف فيّ شعورا بالمثابرة والحماس، لدرجة أنني استطعت تعديل أكثر من نص كنت أستصعبهم، فنحن الكُتَّاب المبتدئين عندما يُخبرنا النقاد أن هذا النص بحاجة لتعديل أو إعادة صياغة يكون هذا بمثابة إلقاء قنبلة في وجوهنا، لكن هذا بدا سهلاً بل وممتعا حتى عندما تركت مخيلتي تجمح كيفما شاءت في بحورها وأقاصيها، وهذا جعلني أدرك أننا نحن من نصنع الأقفال لعقولنا ولأرواحنا، بل ونقرر حتى أين نضعها ومتى!

كذلك الوقت الضائع، نحن نشارك في صُنعه عن طريق استهتارنا وجمود تفكيرنا، عندما يقول أحدهم مثلا “لا، لن أقدم في هذه الوظيفة، أعرف أنني لن أُقبل فيها” من أين لك هذا التأكيد؟! هذا كان كلامي بالحرف عندما طلب مني أستاذ في بداية كتابتي قديما أن أقدم في مسابقة. ما الذي سنخسره على أية حال؟ لا شيء على الإطلاق، أقله هذا سيجعلنا نشعر بقيمة وجوديتنا، ألم نسأل أنفسنا في أوقات الفراغ والسأم.. “ماذا علينا فعله على هذه الأرض؟” الإجابة بسيطة، نفعل ما نُجيد فعله، نفعله حتى لو لم يأتي علينا بجديد، بالتأكيد سوف نصادف شيئاً جديداً، فِكر ومنظور مختلفان، أفق أرحب وأكبر حيلة، كل هذا قد مر علي فعليا – وليس مجرد كلام مستهلك – أثناء انغماسي ومحاولة الركض سريعاً في ركاب المسابقة التي خسرتها.

ذات ليلة باردة ومملة من ليالي يناير هذا العام وجدتني أفكر بالعمل في الكتابة التدوينية بمقابل مادي وكأنني كاتبة معروفة، المضحك أكثر أنني حينها لم أكن كتبت مقال واحد حتى يوحد الله! فسألت صديقة لها خبرة في هذا المجال، واقترحت أن أبدأ بكتابة مقالات صغيرة، ولكن عن ماذا سأكتب؟!  وظننت أنني سأدخل في دوامة جديدة من الرغبات الهُلامية، لكن الأيام مرت ولم يحدث شيء، لا تيه ولا وصول، وشعرت كأنما عقلي كان يتشاور سرا مع نفسي رغم ركودها، ثم جاءت الإجابة.. اكتبي أفكارك، نَفسي عن غضبك وعن لامبالاتك، أي شيء يستوقفك اكتبيه. وهذا بالطبع كان بعيدا تماماً عن الكتابة التي تجلب المال، ورحت أكتب الخواطر وما شابه للتنفيس من ضجيج الروح والحياة.

وهأنذا منذ أول مقال كتبته في فبراير والذي لم يُنشر على الصفحة الرئيسية آنذاك على منصة مقال كلاود – ومن الجيد أنني لم ايأس واستمريت في الكتابة – حتى أصبح لدي منصة ثانية وأقصد أراجيك التي هي أشبه برئة ثانية وبمنزل ثاني، الاثنتان يكملان بعضهما لديّ، هما يعنيان لي الكثير، هما بمثابة المعبر الوحيد الذي يُفتح في وجهي مرحباً بحضوري، حقا أعتبرهما من أهم إنجازات 2020. 

وبمناسبة هذا العام الذي يصفه الكثير بالتعيس والبائس، فهو ربما يكون أفضل من أعوام قادمة، من يدري؟! القصد أن الحياة سوف تمر بأثقالها ومباهجها، فمثلا لن أنسى  هذا العام عندما فجعت على موت (حنفي) وهو ذكر السلحفاة، كانت فصيلته نادرة ومعمرة، لازلت حزينة على موته لأنه كان مريضاً ويعاني ونحن بكل استخفاف قد أهملنا في الاهتمام به، وعلى الجانب الآخر هناك كلبتي (ميريت) أليفتي الصغيرة، التي رحلت في أول نوڤمبر، لم نترك علاجاً إلا وجلبناه لها، كنت أعالجها حتى آخر نفس فيها، لكنها أبت أن تبقى. أخذت كل الضحك والسعادة التي منحتنا إياهم وغادرت. مثلما غادرت معها نفوسا كانت متذبذبة، وحضور نفوسا بقلوب جديدة، وكذلك ظهور و خفوت محبة كانت كامنة ولولا الصُدف والمواقف لما كنت لاحظتها، كما أن ذاتي قد تغيرت عندما نفذت قراري المؤجل منذ أعوام بغلق حسابي على الفيسبوك. وبعيداً عن تبعات هذا القرار، إلا أنه تبين لي أن  الحياة ليست ككشف حساب من فيها الدائن ومن المدين، هذه الحسبة تخص الله عز وجل يوم الحساب، لكن نحن البشر اعتدنا أن نعيش على الفوضى والازدواجية، نستسهل الهدم على البناء، والاستسلام عن المحاولات.. 

لكن في خضم كل هذا لا تنسوا أن تفكروا بذواتكم ولو بدت أفكاركم مشوشة وغير منطقية أو حتى بعيدة كليا عن مُرادكم، فالتفكير ذاته يجلب الحركة، يجلب الحياة، دعكم من الرسائل والمنشورات السلبية التي تعج بها وسائل التواصل الافتراضي، أمثال “الأعوام تمر دون جديد، الحياة تجري بنا ولازلنا في القاع.. الخ” الحياة لن تجري بنا إلا عند التفكر بها وأخذها على محمل الجد، فلولا تفكري المضحك بكتابة التدوينات لما كنت هنا.