آراك الشوشان
آراك الشوشان

د

درسٌ مُستفاد: لا تبِع ما ليس لك!

الفترة التي تبِعت البداية الحرِجة لاستقبال الجائحة، وكان درسُها (لا تجزع)، كانت فترة تعطّش للحياة والعلاقات والأنشطة، اندفعتُ إليها دون تروٍّ، لأقطَع وُعوداً بقيت مُعلقة، وأبدأُ مُحادثاتٍ ظلّت ناقصة، وهجرتُ قنوات التّواصل التي ما زالت تستقبل ما يردها إلى الثقب الأسود، أيّ صفقات بيع جرية خاسرة لوقتي وأوقاتهم، ونفسي ونفسياتهم، وما أحوال استبقاءه من وِدّ ورابطة.

ما لبثتُ حتى قررت تعطيل كل ذلك ، أنامُ ليلاً، وأستيقظ صباحاً، وأتمهّل في طعامي وأستنشق الهواء النقي الذي لن يلبث حتى يتلوّث قريباً حين ينفك حظر التنقل، وعطّلت معها ما يصلني بالعالمين.

شهرٌ إلا أيام كان أهنأ ما مرّ بي خلال 2020 ، وإن كنتُ انشغلت خلاله بالإيفاء بوعدٍ قطعته نهاية 2019 بشأن عمل ترجمة، لينتهي الشهر بمهمةٍ تخصّ العمل.

كان لدينا مُحددات وأهداف، مع تفعيل درس ( لا تجزَع ) ، لنعمل عليها خلال شهرٍ ونصف. ما زال بيننا من لم يتبيّن مفهوم العمل عن بعد، ليُحاول عدة مرات “بيع” أوقاتنا لصالح العمل. الفجر، الظهر، المغرب، حتى بعد منتصف الليل، كلها أوقات مُناسبة للعمل طالما يعمل الفرد عن بعد.

تتمثل قيمة العمل عندي  في احترام حدوده: الهدف والمكان والزمان ومتطلباته  والخط الزمني: ما كان وما يكون وما سيكون. وكلما ذكرتُ ذلك، أتذكّر بعض الشركات التي تعتمد على الإبداع، التصميم والهندسة مثلاً، حيث  تُلزم فنانيها بإجازة مدفوعة بعد كل مشروع أو كل فترة معينة لاستعادة لياقته الذهنية وشحذ إبداعه.

أُنهيت المُهمّة وبدأت الدراسة والتدريس مع رغبة عارمة في استعادة بعض الممارسات المحببة، المزيد من الوعود والمحادثات والتفاعل الإنساني ،ظننتُ أني سأستطيع استثمار الساعات الثلاث التي كنتُ أقضيها في التنقّل ذهاباً وإياباً.

إلا أنّ نفسي أوقعتني في الفخّ مرّة أخرى: بعتُ ما لا أملكه من وقتي وتفرغي الذهني.

لديك مكتبك وأجهزتك وكل ما يُمكنك من عملك، لكن ما إن تدقّ الساعة الثالثة  مساءً حتى لا ترغب إلا في شيء واحد: هجران كل ما هو إلكتروني. تصوّر اجتماع هذا الهجران مع التباعد الاجتماعي وسياسة الفقّاعات الاجتماعية المحدودة، حتى قراءة الكتب أصبحت مُجهدة للعين والذهن.

لأقضي خواتيم 2020 وبواكير 2021 في تسديد خسائر تلك المُبايعات المُتراكمات، فضلاً عن مُطالبات الفوائد الربويّة.

ليكون عنوان هذا الدرس: لا تبع ما ليس لك.

مما يستحق فخر إنقاذه من بين حرائق المبيعات وخساراتها، مشروع “رسائل أيّام الكورونا” ، لينطوي تحت الدرس المستفاد: أنقِذ نفسَك.