أحلام المقالح
أحلام المقالح

د

3..2..1 كلاكيت أول مرة!

” مرحبا .. أنا أحلام ، من بلاد يصفونها بالسعيدة ، أعمل كصحفية في جريدة إخبارية يومية .. فتاة ناضجة صبورة كتومة والأجمل من هذا بسيطة ،أحد أحلامي أن أُصبح فتاة ناجحة ولها دور فعًال في مجتمعها ..ولهذا أتحدث اليوم في هذه المنصة أمامكم جميعا ..!”

هذه كانت أول عبارات حدثت نفسي بها أمام المرآة قبل تسع سنوات ، لا أنكر كم ضحكت بعدها سخرية من طريقة تعبيري بلهجة المشاهير عن أحد المشاهد التي رسمتها على سطح مرآة في محاولة ترتيب أول لقاء سيجمعني بجمهور يعرفني جيدا ، لكني تجاهلت سخريتي وأعدت تمثيل المشهد مرة ثانية  وثالثة وفي كل مرة يزداد هندامي وسامة وتتزاحم الكلمات بشكل متناسق فتخلق جملاً أكثر أناقة وشعورا أكبر بالانتشاء والزهو ، حتى أزاحت  والدتي باب غرفتي لتعلق على المشهد ب ضحكة فارهة تسبق رائحة الغداء الشهية ،ثم سكت الكلام ! .

للحديث أول مرة جمال لا يوقفه أحد تماما كما هي للبدايات ، يبدو المرء فيه جميلا على غير العادة يرتب فيه كلماته وهندامه ثم يضعها بقالب جميل استعدادا لوضعها على طبق من ذهب أمام جمهور متعطش للجمال لا أكثر !

حدث ذلك حينما تلقيت دعوة يوما للحديث على منصة عن تجاربي بالحياة التي أجزم أن لا أحد يعرف عنها شيئا سوى لمامات الأفكار التي أنثرها بين الحين والآخر على حائط أزرق في عالم افتراضي ، فبدى لي الأمر وكأنه فخ قد أوقعني في شراك أفكاري التي غرقت في شبر أسئلة مفادها من أين سأبدأ وكيف سأبدو للآخرين وأنا أكشف لهم أحلام أخرى غير تلك التي تبدو على الورق وخلف الكاميرا ، وهل تستحق تجاربي فعلا الحديث عنها في أول لقاء قد يجمعني بجمهور لا يعرفني حقا ..ووصلت آخر الأمر الى رفض العرض و حقيقة ان اللقاء الاول دائما ما يشوبه الكثير من الرتوش الذي يضعها المتحدث لنفسه لأجل حصد تعاطف ودعم وإعجاب أكبر من الآخرين  وهنا تكمن الفاجعة !

حينما تعيد نفس المشهد بعد مرور تجربة حياتية وتجربتين ستجد أن أشياء جمة قد تبدلت ، وجدتُ بلادي لم تعد سعيدة ولم أعد أعمل في صحيفة يومية بل فقدت عملي بسبب الحرب ، حتى جل أحلامي قد  تحولت إلى أن أنجو بها في مدينة لا ينجو من أوجاعها أحد ..يصمت الكلام في مخيلتي لأدرك أن المرء يضع اعتبارا للقاء الاول كونه يكوًن الصورة الأولية عنه أمام الجميع لكن الحقيقة تؤكد أنها صورة مهتزة فالناس لن يعرفوا عنك سوى القشور واللقاء الاول ليس مجرد رتوش يصنعها المرء لكي يحصد انبهارا من الاخرين وإلا لمَ نختار مكانا ولبسا وحديثا جميلا لأول يوم !

حب من أول لقاء!

قال أحدهم لصديقته “لقد وقعت في حبك منذ أول لقاء ، حينما كنت تتحدثين عن نفسك أمام الجميع بثقة المنتصر ..عن اهتماماتك، عن محظوراتك ..عن ألوانك المفضلة وموسيقاك الأفضل ” فزادها حديثه انتشاءا لكن شعور الشفقة نحوهما بانَ حينما همست لي يوما أنها استعارت ملابسا ونقودا من أختها لتبدو جميلة وثرية ثم غرزت الطعم في  حديثها لتصطاده ونجحت في ذلك !

حتى الحب صنعوا له توقيتا كقنبلة موقوتة رغم قانونه الذي لا يخضع لزمان او مكان !

(معرض للقاء الأول!)

” ماذا أرتدي في أول لقاء ، ماذا تقول في اول لقاء ، كيف تتصرف في أول لقاء ، كيف أجذبه ا من أول لقاء… ” كلها عناوين باهتة تجذب المراهقين ات في خانة البحث على الشبكة العنكبوتية وتصنع من كل شخصية عفوية بسيطة نموذج آخر محشو بالتصنع والتكلًف ، ثم ينتهي بها الأمر الى السقوط حينما يدرك الجميع حقيقة الشخصية ولعل هذا سببا لتفشي قصص الزيف في العلاقات البشرية والذي تحول اليوم الأول الى مسابقة يفوز بها من يتصنع أكثر !

يقول نزار قباني : عند اللقاء الأول ، لا تستمع لأي أغنية ،ولا تضع أي عطر ،وإياك أن تحب المكان كثيرا .. ولا تسأل عن السبب !” وكان محقا في قوله في ذاكرة اليوم الأول المليئة بالندوب حينما يصنع منه المرء بازارا للخداع  لجمع إعجاب الآخرين بشخصه المزيف والذي دائما ما تعرًيه المواقف .

(3..2..1 كلاكيت آخر مرة)

مرحبا أنا إنسانة تحلم أن ترى الناس على حقيقتهم ببشريتهم البسيطة والشيطانية (أحيانا) بشكل واضح وبدون اضافات تماما كما تتمنى ان يراها العالم بضوءها وظلامها ، وقتها سيكون العالم أكثر نظافة ولطافة ،كما ستكف الأيام عراكها حول ايها يصنع من البشر نسخة أكثر زيفا ً!