هيثم عمر
هيثم عمر

د

ربيع الأندلس…

الأندلس، لؤلؤة فتانة…زينها الإسلام ورجاله…وزينتهم هي بدورها…بين قصورها وأسوارها عاش الإسلام عصوره الذهبية، بينما امتلأ العالم بالظلم والجهل والضلال. كان العلم واجباً على كل من بها لا حقاً لهم…بينما العلم في باحات الممالك الأخرى حكر لوزرائها ورهبانها وحرام على العامة…والمرأة فيها سيدة لها من الرأي والتأثير الكثير…لا يهضم لها حق ولا يجار عليها في شيء – وذلك اقتداءً بما جاء في ديننا الحنيف -…والمال عام لا خاص لأحد…والإنسان بدينه حر يدين بما يشاء، فمنهجها ” لكم دينكم ولي دين “.

ثارت فيها الفتن والمفاسد…خرج الكثير عن الطاعة…واتحد النصارى والخوارج وكل من له عين في ملكها ومكانتها ضدها…لكن الله أعزها، وأمدها برجال خلّد التاريخ فتوحاتهم قبل ألقابهم وقصورهم…

كانت الزهراء شاهدةً على مكانة المرأة لدى المسلم…والفتوحات دليل على قوة ومنعة وشجاعة المسلمين، وزهدهم في الدنيا مقابل عزة الإسلام والمسلمين…أما المعاهدات والمواثيق فدليل على علو مكانة الأندلس وقوتها…وشاهد التسامح هو الكنائس والمعابد التي ما مست بسوء، بل شيد غيرها الكثير في عصر كان الإسلام الأعزَّ والأقوى…

كثيرة هي الإنجازات…قليلة هي الكتب التي تروي تاريخاً مضيئاً ومشرفاً للإسلام والعرب…خلافة دامت طويلاً…ووجب ذكرها كثيراً.

ليس شوقاً يا سيدي، فالشوق يسكن باللقاء، وإنما هو الاشتياق الذي لا يسكن باللقاء، بل يزيد ويتضاعف.

{ ربيع الأندلس، 60 }

شوقي كبير لك…فأنت درة ضاعت من بين أيدينا…وأسفل ترابك الندي دفنت أجساد قادة خلدوك في التاريخ إلى يوم الدين…

ذكرته النصارى…وأشادت به العرب والعجم…في عصره قرطبة أصبحت عاصمة العلم…والزهراء آية في الجمال ودليل على المرأة المكرمة عندنا…القصور بما فاض من المال شيدت، بعد أن عم الخير كل أطياف المجتمع وحدود الخلافة الأموية كلها…بفطنة وذكاء أطفأ نيران الفرقة والعصيان…أناخ أشد العاصين وجرّهم إلى الطاعة جراً…في عصره كان الأسير ثميناً، يفتدى بالغالي والنفيس…وفي عصره كان للعلم مكانة عظمى…وللشعب الأولوية في كل شيء

أرسل الحكم يبحث عن أسير يفتديه وطلب ذلك في بلاد الإفرنج فلم يجد من يفتديه، فما كان من الحكم إلا أن قال في نفسه: هكذا تكون دولة العدل يا أبي، إذ يكون الفرد فيها أغلى ما فيها، وهكذا هي أندلس الناصر، ينفق من مال الدولة لعلاج المرضى ويبني المستشفيات، ومعاهد العلم ويشجع على القراءة، ويسارع في إنقاذ جنده إن وقع فرد منهم في الأسر ويفتديهم بالغالي والثمين، فلا غرو أن يعز الأسير في دولتك يا أبت…

{ ربيع الأندلس، 258 }

إنه عبد الرحمن بن محمد…عاش في كنف جده الأمير عبد الله، وكان أحب الناس إليه، وولي عهده بعد وفاة ابنه محمد…ظهرت براعته في كل أمر وكِّل إليه، وفاق أقرانه في كل الأمور. ومع تقدمه في العمر تعلم حمل السيف والضرب به، وكان يحضر مبارزات يقوم بها كبار الجند قبل أن يشاركهم الأمر، كما أتقن ركوب الخيل. ونهل من معلمه ” أحمد بن عبد ربه ” الكثير.

مما أهله لولاية العهد بعد وفاة جده الأمير ” عبد الله “، وبعدها الخلافة وحمل الراية الأندلسية في الفتوحات الإسلامية وغيرها من المعارك التي وجب حدوثها لإخماد نار الفتنة وشق عصا الطاعة…

بأسلوب روائي مميز، صيغت الحقيقة، فكانت أقرب إلى قلب القارئ وأبعد عن السرد التاريخي الممل.

فيها سحر عجيب، يجذبك ويثير فيك شعوراً يدفعك إلى الانتهاء منها دفعةً واحدةً…

انتعاش غريب…وذكرى سعيدة واشتياق، يختلج في صدرك كلما قرأت صفحات الرواية…

ذكرت الكتب…تاريخ الأندلس وأفاضت في وصف اتساعها وتقدمها…وأشاد ما حفظ من مراسلات ومعاهدات بالخلافة على الأندلس…لكن الكتاب بسحره يتعدى الوصف المجرد من الإحساس…ويتجرد من النقل الجامد للواقع…فكل كلمة تفيض بالإحساس الكامن داخلها…وكل فصل إلى عالم يزهو بما يصعب وصفه وقوله وشرحه يأخذك، ولا يردك إلا وقد غسل قلبك وعقلك بماء عطر وعبقت منابعه بذلك الإحساس العجيب.

كأن صفحات الكتاب شقت من كتب التاريخ…لتجمع بأسلوب روائي فذ…وكأن الكلمات والحروف، جمعت حرفاً حرفاً، لتصل بك إلى إحساس يفوق الخيال مكانةً وعن الوصف يترفع…

وقعت أحداث هذه الرواية في القرن العاشر الميلادي، وجميع ما ورد فيها من أحداث ومعلومات هي حقائق وليست من نسج الخيال!

{ راوي الأندلس }

 الحوار…

كان ضعيفاً وركيكاً بعيداً عن جمال اللغة العربية وألفاظها الساحرة، في أولى صفحات الرواية…ليشيد – الكاتب – بقدرة الزمان ووقعه على من بقي في الأندلس – إسبانيا – إلى اليوم…

ولتعبق الرسائل والكتب والخطابات باللغة العربية الفصيحة والقوية…لمّا رجعنا بالذاكرة والزمان إلى عصر الأندلس العظيم…

شخصيات واقعية…أحداث في التاريخ سجلت. هذا ما حواه الكتاب إضافة إلى مكون سري هو الأسلوب والإحساس…

زرعتم في قلوبنا أجمل سيمفونية عربية أندلسية خالدة…ستبقى لكل العصور سفينة جبلية…وقادتك منارة مرصعة أدبية…

آندلساه

{ راوي الأندلس، 349 }