ولاء عطا الله
ولاء عطا الله

د

الثلاثون ليست كابوساً.

أتذكر منذ أعوام مضت أنني أفسدت يوم عيد ميلادي أكثر من مرة بسبب أن فلان و فلانة لم يرسلون لي تهنئة بالعيد، وبالتأكيد معظمنا قد مر بهذا! لكن ما يجعل قلبك مائل اليوم سيكون هو السبب في اعتدال قلبك غدا. فمنذ عامين ربما أو ثلاث كتبت على صفحتي الزرقاء البائسة أنني ما عدت أهتم بالاحتفال بذكرى عيد الميلاد، حيث أنني لا أرى فيه أي إنجاز كي نستحق التهنئة عليه. وبهذا كنت قد حررت نفسي من سخافة الانتظار، انتظار الساعة وهي تدق لتخبرني أنني كبرت عاما، وأنا بكل بلاهة أبقى متأهبة في انتظار أول رسالة تهنئة. أنا الآن بدأت أتخيل حال الساعة والتاريخ حينها وهما يهزأن مني!

بالإضافة أنني قد تحررت أيضا من المجاملات المتكلفة للأبد رغم أنني كنت لا أقصّر في إرسال التهاني للأصدقاء. لكن حدث كأنني استيقظت من حلم ممل ومكرر. في الذكرى التي تلت هذا التصريح لم يتذكرني إلا القليل جدا حتى بعض الأشخاص الذين أعرفهم شخصيا بل وبيننا زمالة لم يتذكروني، أكذب لو قلت لم أنتبه، حسنا هو كان أشبه بشعور التيه الذي يسرق المرء فجأة، ثم ما يلبث أن يعود إلى وعيه مجدداً. ابتسمت حينها ثم أغلقت الهاتف لأحتفل بعيد ميلادي مع عائلتي.

أول أمس كانت ذكرى ميلادي الثلاثون، وأنا لا أشعر بأي شيء حيال هذا الرقم، لا مشاعر سلبية ولا حتى إيجابية وكأن التراكمات التي لازالت تملأني قد خلقت لدي حالة من البرود النفسي. ثم تذكرت أحد زملائي عندما أكمل عامه الثلاثون. راح يندب حينها بشكل مأساوي كونه لم يفعل شيئاً يستحق حتى الآن، ومن منا لم يفعل هذا؟

لكن لو هدأنا قليلا فسوف نرى أنه من الاجحاف أن نلغي سنواتنا الضائعة ككل. فنحن كل عام تزداد معرفتنا بالحياة أكثر، وهذا ما أدركته بعد أن تخلصت من التعاسة المُعدية على الفيسبوك، فأنا أعرف أناس لديهم ما يدعو للفخر – وبالتأكيد جميعنا نملك أشياء نفتخر بها – لكنهم لا يذكرونه، بل يصدرون لأنفسهم ولنا تعاسة غير مبررة.

أظن أن الاستحقاقات المادية هنا ليست كل شيء، هل تذكرون لحظات التخبط والتيه التي كانت تحتلنا في سن العشرينات؟ والسنون التي مرت بنا ونحن لازلنا نقاوم، لكن في الأخير ماذا حدث؟ قد تجاوزناها ومرت بنا سنون أخرى حتى تماهينا مع الحياة ورحنا نحقق بعض أهدافنا ولو بدت بطيئة الخطى لكنها تستحق. هذه هي اللحظات التي علينا الاحتفال بها كل عام بقلب بهيج ورأس مرفوع.

الثلاثون ليست كابوساً إذا كما يظنها البعض، بل هي بداية الحياة بنظرة جديدة وعقل أكثر حكمة، لكن لا تتضايق مثلا أيها / أيتها الثلاثينية عندما تعثرون على فرصة ما تناسب قدراتكم، وأنتم بكل سعادة تودون اقتناصها، لكنكم تكتشفون أن آخر حدا لها هو عمر الثلاثون، إذن نحن قد كبرنا وبدأنا نصعد سُلم الثلاثينيات المخيف وبهذا سوف تقل الفرص أمامنا. لا.. ليس صحيحاً يمكننا أن نتابع الفرص التي تناسب عمرنا.

أنا لطالما أحزنني انزعاج أصحاب الأربعون، كون أن الفرص بالكاد تُقَدم لهم وإذا وجدوا تكون شروطها تعسفية. هذا يعني أن كل عمر وله فرصته الخاصة به وعلينا أن نتصالح مع هذه الحقيقة الزمنية. والشيء الوحيد الذي يمكنه كسر هذه المعضلة هو التعلم وأعني التعلم من أي شيء حتى من أبسط أخطائنا، بهذا سنكون مستعدون لأي فرصة دون أن نهاب حتمية الزمن.

أخشى بكتابتي هذا التدوين أكون قد سقطت في فخ الكلام الجاهز المزيف، وأنني لست فزعة لوصولي سن الثلاثون، لكن أنا لطالما عشت بين زاويتين.. زاوية الصواب / الحقيقة. وزاوية الخطأ / الخوف. لكنني أعرف أن هذه هي نظرتي الواقعية المتواضعة لعمر الثلاثون. والذي لأول مرة منذ أن أدركت كينونتي. أشعر فيه بوجوديتي وأرى فيه بداية الطريق.