ريحان مرغم
ريحان مرغم

د

إلى صنوبر: الورقة السابعة!

هنا “رملة”! وهذه الورقة السابعة.. أحمل في فؤادي صنوبرا صامدًا، رغما عن صقيع الشتاء القاسي، وأحمل كذلك ” نجما ثاقبا”.
أبتغي الحرية يا “صنوبر”، أتطلع إلى الخلاص، أعدّ الثواني للتحليق عاليا، بعيدا عن كل هاته الأوضار الأرضية..
نعيش في عصر يفضّل الابتذال في كل شيء، يخصّه، ويخصّ غيره، ويتفنن في التفاخر به أمام العلن، بمناسبة أو بغير مناسبة..
أبحث عن خيوط رفيعة تربطنا بالخصوصية، لكن دون جدوى..
أستحضر في غضون ذلك قول الرئيس البوسني المفكر علي عزت بيغوفيتش:

إذا أزيلت أي خصوصية، نصبح حينئذ في معسكر الاعتقال.

هكذا إذن! هذا ما تفعله بنا أضواء البهرجة، وزيف الاستعراضات، والخصوصية الموؤودة: تجعلنا ندفع الثمن غاليا! تحشرنا في معسكر الاعتقال!
تطوق أيدينا بوثاق محكم، ثم تبرمجنا وفق منهج واحد لا حيد عنه، ولا محاداة، ولا التفات، منهج “المؤثرين” على وسائل التواصل الاجتماعي..
تسلبنا حرية التصرف والتفكير، وتوقعنا في تيار “الآخرين” الجارف..
في غمرة كل هذا الصخب، أتساءل: “ما السبيل إلى الحرية؟”.

طريق الحرية شاق طويل، ولكنه وحده هو الطريق 
– محمود أحمد شاكر.

هنا “رملة “! وهذه الورقة السابعة.. أتعطّش إلى قراءة كتاب منسي، غير مصنف ضمن قائمة الترند، هناك في عزلة الصامتين، من غير أن أتطفل، أو أن يتم التطفل علي..
أشتاق إلى شرب قهوة في محراب الخاشعين، في صمت دفين، براحة ” اللامبالاة “، وسلامة البال من الاعتبارات، دون الحاجة إلى التقاط صورة عند شربها، والتعريف بتاريخها، وإحياء الجدل الأزلي حول أول ظهور لها..
أريد أن أستقبل الصباح، بهدوء، أو ذكرِ قلبٍ منيب، دون الاضطرار إلى تشغيل المذياع على صوت “فيروز”، وهي تطلب من “مرسال المراسيل” أن يوصل لها المنديل المطّرز بحبّ إلى القرية المجاورة..
أريد أن أرتدي في عرسي قفطانا مغاربيا، بدل الفستان الأبيض، وأن يكون “شهر العسل”، في الزوايا العتيقة من وطني..
أريد أن أغير قائمة الأفلام والمسلسلات التي يجب مشاهدتها، من: ” ظلام • Dark “، و”صراع العروش • Game of thrones “، و”ابنة السفير • Sefirin kizi “، إلى ” معركة الجزائر “، و” الرسالة”، و”عايلة كي الناس”، و”الفصول الأربعة “.

أريد أن أردد مع “رشا رزق”، بكل عنفوان الطفولة:

غيمٌ هو حلمي، غيمٌ حلمي، أحلم دوما في أن أطير، في الصحو والنوم، صحوي ونومي، أرى نفسي طائرا صغير..
سأمضي لدربي، باحثة عن سرّ الطاقة الزرقاء..
بشوقي وتوقي، إلى من يسير معي في الفضاء.

أجاهد كي أحافظ على الطفلة المتوثبة في فؤادي، تلك التي تمرح وتفرح من دون عناء، وتصيب وتخطئ، من غير لوم.. وتبني عالما خاصا بها!

هنا “رملة”! وهذه الورقة السابعة.. أشتاق إلى أن أحبّ، في غفلة عن العالم الخارجي، من غير أن يعلم أحد بذلك، من غير أن يشير أحد إلى ذلك، من غير أن يبدي أحد رأيه.. كأنما أبقي ذلك المحبوب سرا دفينا، أتأمله بوله، في سكون الليل!
أشتاق إلى أن أرتدي، ما أريد، دون اكتراث معتبر، لما تفرضه الموضة، وما يسوقه المصممون..
أشتاق إلى أن أكتب في أوراق مهملة، ثم أطويها، وأرميها في ثقوب الذاكرة، من دون أن تتم قراءتها..
أشتاق إلى أن أحتفظ بسيل الأفكار الغزير لنفسي، أو أتشاركه مع قريب مقرب..
أشتاق إلى أن أحيا، وأُنسى..
“وأشهد أني: حي وحر حين أُنسى!”

هنا “رملة”! وهذه الورقة السابعة.. ما زلتُ أحاول يا “صنوبر”، أحاول قيد جهدي ألا أنصرف عن طقوسي اليومية التي تصنعني، ألا أسمح لها بأن تتماهى في دوامة “المُتعارف عليه”، أن أنفرد بذاتي، وشخصيتي، مهما عارض الجمع الغفير ذلك..
ما زلتُ أحاول يا “صنوبر”، أحاول قيد جهدي أن أحتفظ بالمعنى الحقيقي للشغف، بعد أن تمّ الاعتداء عليه، وكسوته بلباس التبذل، حتى أصبح كل مار عابر، شغوفا..
ما زلتُ أحاول يا “صنوبر” ، أحاول قيد جهدي، ملامسة الجوهر، وعدم الاكتفاء بالقشور..

هنا “رملة”، وهذه الورقة السابعة! يطير الحمام، يحط الحمام..