فادي عمروش
فادي عمروش

د

بين الانغماس بالعمل، والميل إلى الاستمتاع في الحياة

هل سمعتم يوماً بتقنية الطَّماطم؟ نعم، اسمها كذلك تقنية الطَّماطم، أو تقنية بومودورو، وهي تقنيةٌ ايطاليَّةٌ  طوَّرها فرانشيسكو سيريلو” لإدارة الوقت، وتحسينه، وتقسيمه بطريقةٍ فعَّالةٍ تزيد من الانتاجيَّة، وفي نفس الوقت لا يهمل متَّبعيها الجانب الشَّخصي، والاستمتاع بالحياة، فهي أشبه بخطَّةٍ تهدف إلى ضبط التَّوازن بين العمل، وبين الرَّاحة الشَّخصيَّة.

يرى بعض النَّاس أنَّ طريق النَّجاح يكمن في العمل فقط، وفي الانغماس به، فينظرون إلى الحياة بنظرةٍ مادِّيَّةٍ فقط، ولو كان ذلك على حساب راحتهم الشَّخصيَّة، وأوقاتهم مع عائلاتهم، أو أحبابهم، وإن سألتهم عن خططهم لعطلة الصَّيف مثلاً، سينهالوا عليك بسيلٍ من جداول الأعمال، والمشاريع، والأرقام، والإحصائيَّات، وقد لا يخطر لهم أن يخصِّصوا بعض الأيَّام للذهاب إلى الشَّاطئ، أو الجبل! إنَّ الأمر شبيهٌ بالإدمان على العمل، من يعتمد هذه المنهجيَّة في الحياة ليس مُخطئاً تماماً، وليس على صوابٍ تماماً، فالأمر نسبيٌّ حتماً، ويختار كلُّ شخصٍ ما يناسبه، ويعتمده في سير حياته حسب طريقة حياته.

بينما هناك فئةٌ أخرى ليست نقيضةً للفئة الأولى، فالأشخاص المنتمون إليها لا يُهملون الجانب المادِّي، ويهتمُّون بأعمالهم، ولكن لا يهملون الجانب الشَّخصيّ في حياتهم، وهم حريصون جدَّاً على إسعاد أنفسهم، مهما طال الزَّمن، ويعملون بجدٍّ، ليصلوا إلى أوقاتٍ يستطيعون الاستمتاع فيها، والابتعاد عن ضغط العمل، وما يرافقهُ من أحداثٍ، وتفاصيلٍ.

قرأتُ مقالةً مُميَّزةً على موقع The Verge دعتني للتَّفكير أيُّهما أربح، هل الخروج بالتَّوقيت المناسب، والاستمتاع بالحياة، أم تكديس المسؤوليَّات، والثَّروة فلا نستطيع التَّنصُّل منها؟

تحدَّثت المقالة عن الفرق في أسلوب الحياة بين “مارك زوكربيرغ” مؤسِّس فيسبوك، وبعض المستثمرين في تويتر، وبين “توم أندريسون” مؤسِّس موقع ماي سبيس، فبينما كان مارك زوكربيرغ جالساً ينشوي أمام أعضاء الكونغرس الأمريكيِّ، وكان المستثمرين في تويتر غاضبين من “جاك دورسي” لأنَّه مديرٌ تنفيذيٌّ “بارت تايم”، كان توم أنديرسون مؤسِّس موقع ماي سبيس في جزر المالديف يسبح في مياهٍ لا مثيل لها، ويستمتع بأقصى درجةٍ من الرَّفاهية، والرَّاحة في فترة تقاعده، بعد أن بذل جهداً كبيراً في حياته، حان الوقت ليستمتع بالرَّاحة مستفيداً ممَّا جناه من بيع واحدةٍ من أولى شبكات التَّواصل الاجتماعيِّ في الوقت المناسب بمبلغٍ فاق الـ٥٠٠ مليون دولارٍ أمريكيٍّ.

كم سيكون الفرق كبيراً بمستوى جودة الحياة  بين شخصٍ يمتلك 50 مليوناً، وشخص يمتلك ٥٠٠ مليون دولارٍ؟ هل بإمكان القائمين على فيسبوك، وتويتر أن يناموا مرتاحي البال، وأن يجوبوا العالم مرتاحي البال كما يفعل أندرسون؟
هل تساءلت يوماً لماذا يرتدي مارك زوكربيرغ نفس الملابس دائماً؟

حسب صحيفة الاندبندنت البريطانيَّة أرجع زوكربيرج ارتداءه لنفس الملابس يوميَّاً، إلى أنَّ ذلك يساعده على تركيز طاقته، واتِّخاذ قراراتٍ أكثر أهمِّيَّة في العمل، بدلاً من تضييع وقته في التَّفكير بما سيرتديه. تخيَّلوا مدى انخراطه في عمله، وشدَّة إصراره على الابتعاد عن المُشتِّتات مهما كانت صغيرةً، حتَّى لو كانت لون لباسه! 

من جهةٍ أخرى، ألقِ نظرة على حساب انستغرام الخاص بأندرسون، أو على حسابه على تويتر، لن تجد ما يرتبط بعمله، فلا عروض، ولا أخبار ترويجيَّة لمنتجاتٍ، ولا خطط، أو إعلانات، ولا أي شيءٍ مثل هذا، بل على العكس تماماً ستجد صوره في رحلاته السِّياحيَّة مرتدياً ملابس متنوِّعةً، وصوراً للأماكن التي زارها برفقة أصدقائه، وإذا بحثت عن سيرته الذَّاتيَّة على تويتر ستجد عبارة “استمتع بالتَّقاعد”.


صورة من انستغرام أندرسون

ختاماً، أنا لا أميل إلى أيِّ موقفٍ في هذه المقالة، ولا أتبنَّى أيَّ فكرةٍ، وإنَّما أعرض أفكاراً، وأضعها موضع نقاشٍ، وتفكيرٍ، ويبقى لكلِّ شخصٍ منهجَ حياةٍ يناسبه، ويرتاح فيه.