فادي عمروش
فادي عمروش

د

العمل من المنزل بين التفاؤل والواقع

أدّت إجراءات الإغلاق بسبب وباء كورونا إلى عرقلة نمو وسير قطاع الأعمال الذي يحتاج في أغلب أجزائه إلى تواجد مستمر لطاقم العمل وتواصل واجتماعات لمتابعة تفاصيل المهام والتعاون لأدائها، مما اضطر إدارة الشركات اللجوء إلى العمل من المنزل أو ما بات يعرف بالعمل عن بعد لتسيير الأعمال.

أثار الوضع الجديد نار الجدالات وفتحت شهية الباحثين للرصد والمفاضلة بين العمل في المكتب والعمل من المنزل، فخرجت الكثير من الأوراق العلمية التي تؤكد على ضرورة هذا وأفضلية ذاك ببعض التفاصيل لسلبيات وإيجابيات كل اتجاه علّنا نخرج بنموذج عمل هجين يرضي كل الأطراف ويحقق أعلى مستوى إنتاجية ممكن.

ولفهم ذلك بشكل أو بآخر، استخدمت أحد الأوراق البحثية التي صدرت حديثاً في العام الجاري بيانات الموظفين والتحليلات لأكثر من 10000 خبير في أحد الشركات الآسيوية التي تعمل في مجال خدمات تكنولوجيا ، لتقارن الإنتاجية قبل وأثناء العمل من المنزل  خلال فترة انتشار الجائحة، والتي خلصت بمجملها كما سنرى إلى أفضلية العمل من المكتب كوسيلة لضبط الوقت وتلقي التدريبات والمتابعات بأقل قدر من تكاليف الاتصالات، مقابل أفضلية العمل من المنزل كوسيلة لتقليل وقت التنقل وتوفير ساعات عمل أكثر مرونة، وزيادة الرضا الوظيفي، وتحسين التوازن بين العمل والحياة.

تسرد الدراسة الجدل الكبير والجذب والرفض حول مدى فعالية العمل من المنزل، وإلى أي مدى يمكننا تحسين التنفيذ، وإلى أي مدى ستستمر الشركات في استخدام العمل من المنزل.

حيث رصدت الورقة زيادة ملحوظة في إجمالي ساعات العمل خلال العمل من المنزل، فعلى الرغم من الاضطراب الناجم عن الوباء والتحول إلى العمل من المنزل، لم يكن هناك تغيير كبير في الإنتاجية المقاسة أو ارتفاع ملحوظ في نقاط تقييم الموظفين. كما خلصت الدراسة إلى أن الموظفين الذين لديهم مدة أطول في الشركة زادت إنتاجيتهم بشكل طفيف خلال العمل من المنزل، في حين أن الموظفين ذوي المدة الأقل لم يحققوا ذلك.

كما أشارت البيانات المدروسة والمأخوذة من المهن والصناعات التي من المتوقع أن تكون قادرة على التحول بشكل فعال إلى العمل من المنزل، مثل المهنيين والمديرين والعاملين في مجال البيانات وأولئك الذين يعملون في وظائف الدعم الكتابي أو معالجة البيانات أنهم استفادوا من العمل من المنزل بشكل أكبر، حيث تركزت إيجابيات العمل من المنزل في انخفاض وقت التنقل، وزيادة مرونة ساعات العمل، وزيادة الإنتاجية.

وجد الباحثون أيضاً أنَّ متوسط ​​الإنتاجية للعاملين عن بعد أقل من متوسط إنتاجية العاملين في المكتب، حيث تنبُع هذه النتيجة من دراسة ثلاثة متغيرات رئيسة معاً وهي: وقت العمل اليومي خلال الشهر (المدخلات)، والنسبة المئوية للمهام المكتملة بالنسبة إلى المهام الموكلة (المخرجات)، والمخرجات مقسومة على وقت العمل في ذلك الشهر (الإنتاجية)، طبعاً مع استخدام مقاييس خاصة لكل وظيفة من وظائف الشركة لجعل الوظائف والأدوار المختلفة قابلة للمقارنة، مثلاً بالنسبة للمبرمج، قد يكون مقياس المخرجات عبارة عن مهام برمجة مكتملة مقسومة على المهام الموكلة مضروبًا في 100. ثمَّ حسبت الدراسة الإنتاجية المتغيرة الناتجة عن طريق قسمة الناتج على إجمالي وقت العمل في شهر معين، ويتم قياسه في الناتج الطبيعي لكل ساعة عمل.

لاحظت الدراسة أن الموظفين يقضون وقتًا أطول في الاجتماعات أو المكالمات ولديهم “وقت تركيز” أقل مقارنة بالعمل من المكتب (أي وقت دون انقطاع بالاجتماعات أو المكالمات للتركيز على إكمال المهام)، كما رصد الباحثون زيادة في الوقت الذي يقضيه الموظفون في الاجتماعات، خاصةً بعد المرحلة الانتقالية الأولية للعمل من المنزل، والذي يؤدي لتكاليف تنسيق كبيرة ومستمرة مع العمل من المنزل، ويؤثر سلبًا على الوقت المتاح للعمل بطريقة مثمرة

كما تشير نتائج الدراسة التي تم التوصل إليها إلى أن تنبؤات النجاح في العمل من المنزل القائمة على الأوصاف المهنية ربما كانت متفائلة، والسبب في ذلك أنَّ الموظفين المحترفين الذين يشتركون في العديد من المهام التي تتطلب التعاون والتواصل والابتكار يواجهون صعوبات وعوائق عند تعويضها بالتفاعلات الافتراضية المجدولة.

من الملفت أيضاً أن قلة تواصل الموظفين مع نفس زملاء العمل يومياً في الشركة يمكن أن يؤدي إلى علاقات عمل جديدة، و “حوادث منتجة” تحفز الابتكار، وكان من البديهي ربّما إشارة الدراسة إلى أن الموظفين الذي كان يقتضي عملهم التعامل مع أجهزة الحاسوب في المكتب أبدوا قدرة أكبر على الانتقال بسرعة للعمل من المنزل.

تتنبأ الدراسة أن تَقارب إنتاجية العمل من المكتب لإنتاجية لعمل من المنزل مرّده إغلاق المطاعم ودور السينما وحظر التجوال وما إلى ذلك من إجراءات الإغلاق مما يقلل من وقت التشتت حالياً فقط وهذا لن يكون مع رفع إجراءات الإغلاق. ففي حين أن متوسط ​​تأثير العمل من المنزل على الإنتاجية سلبي في دراسة البيانات، فإن هذا لا يستبعد أن يكون نظام “العمل المستهدف من المنزل” مرغوبًا فيه لأنه يمثل حالياً نموذجاً أولياً لشكل جديد من أشكال الأعمال ستستمر الشركات حتماً في التعلم وتحسين ممارساته حتى يصلون إلى صيغة عمل تزيد من الإنتاجية وتقلل التكاليف في آن معاً.

ختاماً

قد تكون نتائج صادمة للبعض بسبب ما توّصل إليه الباحثون من تأثيرات سلبية على الإنتاجية وزيادة ساعات العمل وهو ما يعاكس النظرة السائدة حالياً عن العمل من المنزل كجنّة الموظف الكادح. يمكن القول أن العمل من المنزل ذو تحديات كبيرة في موضوع العمل الزائد بدون انتاجية وخاصة موضوع تواجد مكان العمل مع العائلة، وقد يكون ذا أثر إيجابي كبير في بعض الحالات أو قد تتضاعف إيجابياته لو أدخلنا المزيد من التفاصيل والوسائل التي تساعد الموظف على ضبط عمله وتحسين إنتاجيته وتقليل هدر الساعات الاضافية المحسوبة على العمل وهي غير ذلك.