صالح سالم
صالح سالم

د

لماذا أكتب؟!

ربما يكون احتفائي بأول تدوينة أشارك بها عالم أراجيك الرائع هو لماذا أكتب؟!

دعوة أراجيك الكرام لي للكتابة معهم تجعلني أفكر في لماذا أكتب؟! وبالخصوص وأنا أتابع عالم أراجيك منذ زمن، وقد اقترحته كثيرًا على الأصدقاء والصديقات لمتابعة ما يدونه هذا العالم الرائع المتنوع من كل الأقطار، وها أنذا أكتب في أراجيك عن لماذا أكتب؟!

كتابتي لي، أنا الكاتب والمكتوب، أبث على الصفحات أفكاري، حياتي، قراءاتي، أشارك كانط في فلسفته وأنا أكتب، وأشارك نيتشه في تشتيته وأنا أكتب، أستحضر أبا العلاء المعري وكأنه يراني منتصب القامة بين يدي جهازي المحمول وأنا أسطّر عليه كلماتي المتراقصة، لا أعلم إن كان امرئ القيس سيفرح بما أكتبه أم أنه سيقول لي:

مكر مفر مقبل مدبر معا**كجلمود صخر حطه السيل من عل

وهو يقصدني بسيل يحطم ما أكتبه، وربما يكون ابن رشد في مخيلتي وأنا أعانق فلسفته بين عباراتي، والغزالي يصبّ جام غضبه على فلسفتي وهو يقرأ تدوينتي في أراجيك.

كتبتُ وأكتبُ وسأكتب حتى أراني، أرى فيّ الوجود، أنشر من خلالي في كل شيء، أتشوّف للوجود في كلماتي، وهايدجر يحثني باللغة، ويقول لي اكتب اللغة فهي التي تُظهر الوجود،

  • لكنها ليست شعرا يا هايدجر
  • هكذا قالوا قديما: أن الإنسان قال الشعر قبل النثر، اكتب لا عليك

لم يعد القلم سيّد الكتابة، ضاع القلم وترنّح على لوحات مفاتيح الأجهزة، صار القلم يكتب ذاته بذاته، لم يعد القلم هو الذي يكتب بنا، بل صار ينقّط حبره على الرفوف حزنًا لفراقنا، وها نحن نتقن النقر، ننقر على الأحرف المكتوبة على لوحات المفاتيح لنكتب، نكتب الفلسفة والعلم التجريبي، نكتب وجودنا بين العلم والفلسفة، نكتب أفكارنا بأفكارنا، إننا نعرض الفكرة بالكتابة عن الكتابة.

أكتب في عالم انكتب بي، وانكتبتُ به، فصرت في عالمي كاتبٌ ومكتوب، إننا في الوجود نكتب، نكتب إما على لوحات المفاتيح أو نكتب على لوحات الحياة، نحن نكتب حياتنا في صفحات الوجود، نكتب تفاصيل حياتنا على لوحة يومياتنا، أعمالنا، إنجازاتنا، نكتب فرحنا وحزننا، خيباتنا وجذوتنا، نكتب الفن والعلم والمتعة والرقص والصلاة والخشوع والعشق والكره والمودة والابتعاد، نكتب الكتابة كيف نكتبها، نحن البشر لا نتوقف عن الكتابة، وكلُّ كاتب يكتب كيفما شاء.