عزة عبد القادر
عزة عبد القادر

د

أين كنا قبل الحياة؟


  أفلاطون والعالم الروحي الكامل …

من منا لم يشعر يوماً بأن ثمة أماكن وأشخاص قد رآهم من قبل ولكن ربما في عوالم أخرى ، إنه إحساس غريب يجعلنا نعتقد إننا كنا موجودين قبل أن نأتي إلى الدنيا ، ولم لا وقد تحدث أفلاطون أعظم الفلاسفة عن ذلك الأمر ، حيث تحدث في (نظرية المُثُل) عن ما قبل العالم الحسي أو المادي،  حيث يكون فيه الإنسان على علم بجميع العلوم والخفايا، وعند ذهابه إلى العالم الحسي (أي حينما يولد) يكون قد نسي كل هذه العلوم، وما عليه إلا أن يحاول أن يتذكرها في العالم الحسي، حيث يعتقد أفلاطون ان العالم الذي نلمسه، ونختبره من خلال الحواس هو عالم غير حقيقي، بل هو عالم مشابه أو مستنسخ من العالم الحقيقي بصورة غير كاملة ، وحسب رأي أفلاطون فإن في هذا العالم تتغير الأشياء، تأتي وتذهب، تبرد وتسخن، لذلك هو عالم الرغبات و الأخطاء الكثيرة، لكنه يرى أن هناك عالم حقيقي توجد فيه كل الاشياء الحقيقية التي تتصف بالكمال ولها مثيلاتها المشابهة لها أو المستنسخة منها في عالمنا المحسوس.

وأوضح أفلاطون أن هذا العالم الحقيقي أو المثالي هو مستقل من كل شيء وغير مـتأثر بالتغيرات التي تحصل للعالم الذي نختبره عن طريق الحواس، وهو عالم يتسم بالخلود لأن الروح هي التي تسمو فيه .

إذن فإن ما تحدثك به نفسك عن تكرار الأماكن والأشخاص ليس جديداً وليست نظرية من بنات أفكارك، فإن الفكرة نفسها دارت منذ آلاف السنين في عقل فيلسوف عظيم له تلاميذ ساروا على نفس النهج ، حيث اعتقدوا في وجود عالم روحاني كامل وعالم مادي ناقص .

مصطفى محمود والخلود …

ثم جاء دكتور مصطفى محمود ليؤكد تلك النظرية بل ويضيف عليها فلسفته وابتكاراته التي توصل لها بعد فكر عميق وقراءة ، حيث تحدث عن خلود روح الإنسان وفناء الجسد فقط .

يقول مصطفى محمود : يلازمنى إحساس منذ بدأت أعي وأدرك وجودى إني كنت موجوداً دائماً وإني حقيقة ولست أمراً طرأ بالميلاد وإني كنت هنا أو هناك فى مكان أو لا مكان لست أدرى .. إنما هو إحساس دائم ومؤكد بالحضور لا أعلم كنهة ومصدره .. وكل ما يحدث أمامى الان هو مرور شريط متتابع لأحداث متتالية لماضى وحاضر ..

ويؤيد هذا الاحساس الداخلى حقائق الدين التى تقول بأنى احاسب واعاقب ويموت جسدي فقط لكي انتقل إلى حياة برزخية ثم إلى بعث ثم إلى خلود فى نعيم أو خلود فى شقاء ..فأنا إذن خالد.

   أصوات  تطاردنا ….

إن مشاعرنا وأفكارنا تؤكد كل أفكار مصطفى محمود، فإن حياتنا في هذه الدنيا ليست عبثاً لأن الله هو الخالق العظيم

قال تعالى : أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ . آية 115 سورة المؤمنون

في أحيان كثيرة نرى مواقف وأحداث ويحدثنا صوت في داخلنا يقول بأنها حدثت لنا فيما قبل ولكن متى وأين ذلك ؟ لا نعرف لأننا لم نصل بعد إلى العلم الغيبي الذي يمكن أن يرد على هذا السؤال.

تطاردنا الأصوات مرة بعد مرة لنسأل عن حالنا عندما كنا مجرد أجنة في بطون أمهاتنا ، هل كنا نسمع ونحلم ونرى أحداث متشابهة للأحداث الحالية مما يجعلنا نعتقد إننا كنا نعيش قبل ذلك ، تشير الدراسات إلى أن الجنين بالفعل يسمع ويرى وأن أفضل الاصوات لدى الجنين هو صوت ضربات قلب الام، ويقول دكتور جودgood  أحد الأطباء المتخصصين بعلم الأجنة: يطمئن الجنين حين يستمع Yلى ضربات قلب الأم، الأمر الذي يجعله يهدأ، وهذا هو سبب وضع الأطباء الجنين على صدر أمه فور ولادته ليشعر بضربات قلبها فيهدأ.

    الجنين يسمع ويرى …!

تؤكد الدراسات أيضاً أنه بعد مرور ستة أشهر من الحمل يبدأ الطفل بالتقاط وسماع الأصوات خارج الرحم وتبدأ الأم باستشعار حركة الجنين داخلها وخصوصاً عندما يستمع إلى صوت الأم أو الأب وفي الثلث الأخير من الحمل يستطيع الجنين الاستماع جيداً لما يجري في العالم الخارجي.

ولكن هناك أطباء آخرين يرفضون كل تلك المعتقدات وينفون قدرة الجنين على السمع أو الرؤية لأنه لا يمتلك أي قدرات بعد وكل ما يردده العلماء ليس إلا مجرد نظريات وأفكار بدائية لم يتم إثباتها بعد ، ولكن تظل مشاعر الأم تؤكد أن طفلها يعي بكل شيء حوله خاصة أمه .

   قصة الخلق  والحياة في الجنة

و لكن تبقى الهمسات تقتحم عقولنا متسائلة هل كنا نعيش قبل أن نولد ؟ وهل يمكن أن ما حدث في قصة الخلق لسيدنا آدم تسببت في نزولنا جميعاً إلى الأرض بعد أن كنا أرواح خالدة نورانية تعيش في الجنة ، ولكن القصة نفسها تنسف تلك الأفكار من أساسها ، حيث يظهر الملائكة وهم يسألون عن خلق الله للإنسان حيث إنه يفسد في الأرض ويسفك الدماء بعكس الملائكة النورانيين الذين يسبحون بحمد الله ويقدسونه فأجابهم الله بأنه يعلم ما لا يعلمون وذلك في إشارة إلى أن الإنسان في خيره وسمو روحه يمكن أن يصل إلى مرتبة أعلى من الملائكة والدليل على ذلك مكانة الأنبياء ثم الأولياء الصالحين .

قال تعالى : “وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ”.

أبحاث لا تشفي التائهين …!!  

هل هدمت إذن نظرية وجود الإنسان في حياة كاملة روحية سابقة على ميلاده ؟

للأسف لم يستطع أحد من العلماء أو الفلاسفة السابقين والمحدثين أن يصلوا إلى إجابات تشفي الحيارى والتائهين في هذا الأمر ، ربما يعود ذلك إلى أمرين

الأول – ديني : فالعقيدة الدينية تنفي تلك الأفكار من جذورها .

الثاني – علمي : بعض العلماء يرون أن الحديث عن تلك الأمور الغيبية يعد نوع من السخف والهراء والبحث في أشياء لا جدوى ولا طائل من ورائها .

ولا يزال الفلاسفة وعلماء الجيولوجيا ومستكشفي عالم الماورائيات يثيرون الأسئلة وعلامات التعجب من حين إلى آخر ، والعلم والفكر لا يتوقف والحياة تكشف لنا كل يوم ما لا يخطر على بال.