أميرة قاسيمي
أميرة قاسيمي

د

ما الذي يجعل الحياة أجمل؟

عندما نتصفّح مواقع التواصل الإجتماعي وندخل صفحات المشاهير من المؤثّرين ذوي الكلمة المسموعة والجاه العظيم، الذين يقضون كلّ يوم في بلد، ولديهم لائحة إنجازات أطول من قوائم أمنياتنا؛ أولئك الذين لا تبدو على وجوههم الهالات السوداء كما لا تبدو على حياتهم أوقات العسرة والحزن والألم.. عندما نلتقي الناس الذين يلمعون في العالم الإفتراضي كما في الواقع، قد نتنهّد ونحن نذكّر أنفسنا أنّ فلان وفلانة لا يختاران من الصور إلّا أجملها كما لا يعرضان من لحظات الحياة إلا أكثرها بريقا وبهجة.. وبالفعل، نقتنع بما نقول ونعود لحياتنا، إلا أنّنا غالبا ما نفاجِئ أفكارنا وهي تعود إلى ذاك الشخص الذي يسافر حول بقاع الأرض بينما نحن مقيمون في مكان واحد، أو نستمرّ في استعادة الكلمات التي كتبها أحدهم متحدّثا عن إنجازاته الخارقة وحياته الهادئة وأحلامه التي تتحقّق بالتوالي كأنها أحجار دومينو مُتدافعة…

في اللحظات التي نتعثّر فيها بما يزيّن حياة سوانا ونفتقده في حياتنا، قد نصاب بشعور كئيب بالحرمان، وقد نبدأ بلوم الناس والأقدار وكلّ شيء على حالنا؛ ومهما كانت ردّة الفعل، فغالبا ما تنتكس حالتنا النّفسية وتهوي بنا إلى القاع.. وهكذا، وبكلّ بساطة، ينهدّ معبدُ الإيجابية وتختفي معالمه تحت أنقاض الحسرة.

قد يكون الابتعاد عن مواقع التواصل الاجتماعي حلاًّ يلائم الكثيرين، إلاّ أنّني أجد أنّه ليس حلاًّ جذريا، فالناس الذين يملكون ما لا نملك يملؤون الأرض وإغلاقُ صفحتهم على النت لا يمنعهم من التواجد في البيت المقابل، فهل نغادر الحيّ لكي لا نلقاهم؟

هناك الكثير من الطرق الشائعة بين “روّاد الإيجابية” لمقاومة هذه التيارات التي تأتي لتجرف تقديرنا لذواتنا وحياتِنا وحبَّنا لمن نكون.. وأنا أجد أنّ أفضلها هي التوقّف لتقدير “لحظات الامتنان” وتخصيص كرّاس لكتابة أسباب امتناننا أو تدوينها في قصاصات ورقية توضع في وعاء؛ وهكذا، كلّما انتبهت لأمر جميل في حياتك، تتوقّفُ للحظة لتأمّلِ هذه النّعمة، وتدوّن امتنانك عليها حرصًا على تذكّرها.. بعد بضعة أيّام، قد تُصدَم من عدد القصاصات في الوعاء، وستبدأ فعليا بتقدير كلّ من وما يوجد في حياتك ويصنعها كلّ يوم؛ قد يكون الامتنان على هديّة من صديق، أو مكالمة من أحد الأقرباء، أو كعكعةٍ قمت بطهوها لأوّل مرّة وكانت مصدر بهجة لمن في البيت، وقد يكون الامتنان لأنّك استيقظت اليوم في صحّة وعافية، أو على عصفور سائح قرّر الجلوس على غصن بجوار النافذة للغناء!

لن نكون أبدًا الأجمل والأغنى والأذكى والأفضل في كلّ شيء، لن نعيش في هذا العالم حياةً خالية من المتاعب والألم، لذا فلنغتنم ما نملكه اليوم ولنسعد به كما يجب، فالحياة تستحقّ أن نحياها بأمل وبهجة، ونحن نستحق أن نفرح، وأن نمتلئ بجمال ودهشة ما يرافقنا كلّ يوم!