هدير طارق البدوي
هدير طارق البدوي

د

لماذا لا نكتب؟

ما الذي قد نحتاجه لنكتب؟

قلمًا وورقة ربما، أو حاسوبًا أو جهاز محمول، بالنسبة لي لا أظن أنني أحتاجهم، فأنا يمكنني الكتابة بلا كتابة، أعتقد أن جميع الكُتاب يمكنهم ذلك، لكنه قد يعتمد على تعريفك للكتابة، الكتابة وهي توضيح ما يدور في عقلك وما تود أن ترويه على هيئة كلمات مرئية ليقرأها الآخرين، أم الكتابة أن تترجم أفكارك لكلمات تتيح لك رؤية الصورة الكاملة، أن اخترت التعريف الأخير كما فعلت أنا فلن تحتاج إلى قلمًا وورقة، يكفيك أن تترجم أفكارك بعقلك.

الوقت المُناسب، حيث تمتلك مُتسعًا لتغوص في الكتابة، حيث يكون لديك الأريحية لتترك نفسك لها فتحكي بلا حاجة للتوقف… الأريحية، نكتب تحت ضغط أجل، لكننا لا نكتب ونحن مُجبرون، على الأقل لا نكتب بنفس الابداع… الصمت، بالنسبة لي على الأقل يُهمني حين أكتب أن أختار الصمت، حتى يسعني أن أسمع صوت أفكاري وأتمكن من ترجمتها إلى كلمات.

بحكم عملي يخبروننا أن الاحباط الذي يصيب الكُتاب وعدم قدرتهم على الكتابة ما هو إلا ألعاب نفسية تلعبها أدمغتهم، فهم إن قرروا الكتابة، جهزوا احتياجاتهم، ووضعوا أنفسهم في الجو المناسب، اختاروا الوقت والمكان سيكتبون، لا أصدق في هذا الرأي لكنني أحببت أن أنقله.

جميع ما سبق كان مُقدمة لابد منها، والآن وقد وضحنا ما قد يحتاجه معظم الكُتاب للكتابة، لماذا قد لا يكتب البعض؟ افتقار الموهبة بالطبع عاملًا أساسيًا، أو ربما عدم الرغبة في التعلم أو بذل الجهد، إلا إنني لا أظن أن هذه الأسباب قد تكفي لمنع أحدهم من الكتابة، سيكتب كلماتٍ ركيكة وعبارات غير متناسقة وفقرات لا توصل المعنى وحكايا ضعيفة لكنه سيكتب.

أظن أن السبب الرئيسي هو الفكرة، إجابة سؤال “ماذا نكتب؟”.

في العادة يحدث أمامي موقفًا يُثير حفيظتي فأحكيه، قد أُضيف رأيي، وقد أُضيف تحليلًا أو تصورًا للأسباب التي أدت لحدوثه أو لنتائجه وما سيليه من أحداث، حتى توقفت المواقف عن الحدوث أو توقفت أنا عن الاهتمام بما يحدث حولي.

أحيانًا كنت أكتب عن المواقف الجديدة التي تحدث معي، فقد أقابل أفرادًا جُدد وأسمح لنفسي باحتساء القهوة معهم وتبادل الحديث ثم أكتب عن التجربة… أو أتبادل حديثًا مع صديق يستفزني بما يعارض أفكاري وبقوة، فأكتب عن سبب تعرضي للاستفزاز، أو أكتب للدفاع عن نظريتي، أو عن السبب وملابسات مقدرته على تغيير رأيي.

ربما أقرأ كتابًا يعجبني فأكتب ملخصًا له، أو لا يعجبني فأكتب نقدًا له، أو يعرض أفكارًا أحبها فأكتب عنها، وربما أود أن أكتب عما أستفدته من هذا الكتاب.

مؤخرًا لا أستطيع إيجاد إجابة لسؤال ماذا أكتب، حتى صدمني الأمر بالأمس.

بالأمس قرأت كتابًا، ليس ضمن الكُتب التي عرضتها في الفقرة السابقة لكنني أردت أن أكتب، بعدما قرأته شعرت برغبة عارمة في الكتابة، ليس بسبب شيئًا قد كتبه الكاتب أو فكرةً استفزتني، فقط أردت الكتابة، وعلمت وقتها، نحن لا نحتاج لما يساعدنا لنكتب، فقد خُلقنا لنكتب، بلا مبررات، وأعتقد أننا نظلم أنفسنا بالتوقف عن الكتابة.

فلتكتب، وإن كانت كلماتك ركيكة أوعباراتك غير متناسقة أوفقراتك لا توصل المعنى أوحكاياك ضعيفة، فلتكتب لنفسك وإن لم يقرأ أحد، فلتكتب لأجل الكتابة.