سارة الشافعي
سارة الشافعي

د

“إحنا اتحسدنا!”

طوال الوقت نسمع تأنيباً وتعليقات سلبية عن ما حولتنا إليه وسائل التواصل الاجتماعي، وعن أنها أخرجت أسوأ ما فينا، وعن المنافسة التي خلقتها بيننا بسبب انفتاحنا على الآخرين من حولنا خاصة، وعلى العالم في العموم.

أصبح الجميع يعتقد بأن سبب كل ما يحدث في حيواتنا هو من جراء ما نراه ويجعلنا نحسد بعضنا البعض على ما لا نملك، حتى الكوارث الطبيعية والمشاكل الدولية، وجدت طريقها لهذا التبرير العجيب.

فتجد من يبرر ارتكاب السرقة أو القتل، لأن المجرم تعرض للحسد والأحقاد ممن حوله لأتفه الأسباب بدون أدنى مبالغة، فتجد من يخبرك بأن القتيلة كانت تجيد تنظيف الملابس لهذا كرهها الناس وضمروا لها الشر فخسرت حياتها. أو تجد من يبرر لك وفاة شخص بسبب أحد الأمراض المستعصية نافياً السبب الرئيسي_ مثل السيدة التي ادعت من فترة فقدانها للحمل بدون أية أعراض أو دليل وظهرت على القنوات الرسمية لتحدثنا عن كون العين حق وعن أن الناس كرهت الخير لها فحدث ما حدث، بدون أن تقدم دليل يثبت حملها في المقام الأول_  مرجعاً كل ما حدث لتأثير عرضه لحياته وكأن لا شيء حدث في الحياة قبل هذا أو لأي سبب آخر سوى الحقد والغيرة التي حدثت بعد استخدامنا لوسائل التواصل أو حتى التعامل بحرية مع المحيطين وعدم التكتم التام.

صحيح للسوشيال ميديا وانفتاحنا على العالم أثر لا يمكن إنكاره على أسلوب تفكيرنا وحياتنا في العموم، ولكنها ليست السبب لكل شيء ولم تكن صاحبة أول ظهور لكل ما يدعيه البعض، فإذا رجعنا للوراء وتابعنا أخبار المشاهير في أي بلدة في العالم سنجد الكثير من الخلافات التي نشأت وظلت لنهاية حياة هؤلاء المشاهير بدون مبرر منطقي، أو داعي لاستمرارها كل هذا الوقت، ولكن وقتها لم يتهم أحد هؤلاء المشاهير بأنهم تحت تأثير شيء بعينه أو أن ما يصدر عنهم لا يمت لطباعهم وشخصياتهم كما يقال الآن.

بالطبع هناك من يحقد ويحسد الآخرين ويفكر بهذا الشكل، لكننا لسنا محاطين بالملائكة. فلم يعد مقبول أن تكون تلك هي الإجابة لمعظم الأسئلة والحل لكل المشاكل. مهم أن نحافظ على القليل من الخصوصية، ومهم أن لا تكون حياتنا مذاعة على الملأ لكل من يمكنه امتلاك هاتف يتيح له الدخول لحساباتك على أي موقع تواصل. ومهم كذلك أن لا نسعى لمتابعة كل شيء سواء كان مهم أم لا، مفيد أم لا. ماذا تناول هذا الشخص على العشاء؟ أين قضت فلانة إجازتها الصيفية؟ من حضر العزاء الخاص بفلان؟ ولماذا لم يحضر علان؟

لم يعد لنا ما نفعله سوى استمرار التصفح حتى نضيع ما بقي من وقتنا، لنتأثر جميعاً في النهاية بالكثير من الأشياء والمعطيات التي لا تتناسب مع أساليب حياتنا أو قدراتنا الشرائية مثلاً، لتجعل البعض في النهاية حتى لو لم يشعروا بالحقد تجاه الآخرين، يشعروا بأنهم لم ينجحوا أو يحققوا ما هو كافي لأنهم لا يستطيعون أن يحيوا كمن يحيا من تقدمه لهم الشاشات التي بين أيديهم طوال الوقت.