صلاح القرشي
صلاح القرشي

د

الشعلة الخفية لإمبرتو إيكو

رجل يفيق من غيبوبة وقد نسي كل شي له علاقة بمشاعره ، العائلة ، الأصدقاء، الطفولة ، ولم يبق له سوى الذكريات التي اكتسبها من القراءة ، يستطيع أن يقود السيارة لكنه لا يعرف أين يتجه في شوارع المدينة التي عاش فيها كل عمره .

ترتكز رواية الشعلة الخفية للملكة لوانا لإمبرتو إيكو على الاقتباسات العديدة  وهو ما يمكن تسميته بسحر ايكو وعلاقته المستمرة في أغلب أعماله بالكتب والتاريخ والسياسة.

: يتحدث بطل الرواية إلى زوجته باولا :

  • ( اقتباس من تشيخوف، كما تعلمين ليس لدي الا الاقتباسات أنوارا تضيء دربي في هذا الضباب الموحش).

يطارد البطل شعلة خفية يشعر بها وكأنها الطريق لاستعادة ذاكرته المفقودة:

( سألت باولا عن مواقفي السياسية : لا أريد أن اكتشف أنني نازي مثلا)

يغادر الى المنزل الريفي حيث كانت طفولته وشبابه المبكر  لعله يعيد ترتيب نفسه ،في ذلك المنزل يسأل نفسه:

( أي حكاية هذه ؟ حسنا السيد يولد بعمر الستين عاما وله لحية بيضاء جميلة يبدأ بسلسلة من المغامرات ويصبح شابا يوما بعد يوم الى أن يمسي فتى ثم طفلا رضيعا )

يعود في المنزل الريفي الى كتبه المدرسية المحفوظة من ذلك الوقت في مكتبة الجدّ يخاطب نفسه :

( إنها الفرضية التي اعددتها في عمر الستين عاما لما من المحتمل أنني فكرت به في سن العاشرة )

يستعيد أو يحاول استعادة سيرته العائلية والسياسية خلال الحقبة الفاشية ، المقالات ، الكتب ، الأناشيد التي يترنم بها الطلاب تمجيدا للمرحلة  وتمجيدا للدوتشي القائد الفرد .

  يطارد تلك السيرة أو تلك الذاكرة من خلال استعادة تلك المرحلة من خارج الذاكرة عبر القصص المصورة  وأغلفة المجلات والكتب القديمة وصور الاعلانات القديمة ومانشيتات الصحف وأغلفة الافلام والاغاني والطوابع البريدية مما يكاد يجعل الرواية أشبه برواية مصورة. ، ولعل من المفيد الاشارة هنا الى ملاحظة مهمة لمترجم الرواية الرائع معاوية عبد المجيد فهو يقول:

( اذا كان احتراق المكتبة هو الثيمة الأساسية لرواية اسم الوردة فإن رواية الشعلة الخفية للملكة لوانا تدور حول انفجار الموسوعة وتبعاته في زمن ما بعد الحداثة وخشية عدم القدرة على استردادها بموسوعة مثلها) ويختم معاوية عبدالمجيد : ( اليس أمبرتو ايكو هو من قال ( الذاكرة هي الروح ).

لا أعرف مدى تأقلم القراء مع ذلك البطء الذي يستحوذ على جزء كبير من الفصل الثاني للرواية لكن القارئ لن يستطيع كما هو حال مترجم الرواية معاوية عبد المجيد أن يرفض رحلة عجائبية تبدأ بالتاريخ والجغرافيا وتمر بعلم الأعصاب والفلسفة والطفولة والروايات والرسم والسينما ، رحلة كهذه حتما ستكون غنية حتى وإن رافقها شي من التعب.