فادي عمروش
فادي عمروش

د

فكّر بعقلية المراهن

ما أكثر القرارات التي نتخذها في الحياة، سواء كانت شخصية أم اجتماعية أم استثمارية بناء على المعلومات المتاحة لدينا، ولكنّنا نهمل حقاً تعلّم مهارة اتخاذ القرارات السليمة في ضوء غياب المعلومات الصحيحة والكافية لاتخاذ القرار. في كتابها الرائعفكر بعقلية المراهن: اتخاذ قرارات أكثر ذكاءً عندما لا يكون لديك كل الحقائق“، تتحدث الكاتبة آني ديوك عن المهارات اللازم تعلّمها من المراهنين، والتي لا يتقنها الناس العاديون.

تأتي أهمية الكتاب من كونه واقعياً صادراً عن تجربة غنية، فقد احترفت  الكاتبة  البوكر لفترة طويلة انتهت في عام 2012؛ فازت خلالها في العديد من البطولات والمباريات. ومن خبرتها الطويلة تقدم الكاتبة للقرّاء مجموعة من التكنيكات والاستراتيجيات التي يتبعها محترفو البوكر للفوز؛ من أجل تطبيقها في حياتهم اليومية، وقطف ثمارها في مسيرتهم الطويلة. فهي ترى أن الحياة ولعبة البوكر وجهان لعملة واحدة، فكلاهما يقومان على اجتماع عنصرين أساسيين هما (الحظ والمهارة)، ومن الصعب تحديد دور كل منهما في تحقيق النتائج المرجوة.

ترى الكاتبة أنّ لاعب البوكر يميل إلى الادعاء أن فوزه هو بسبب مهارته فقط، في حين يلقي اللوم على الحظ عند الخسارة. وهو ما يحدث في الحياة العادية، فالأفراد يميلون إلى تحميل أنفسهم المسؤولية كاملة عندما تكون النتائج مفرحة، ويسارعون إلى إلقاء اللوم على الآخرين في أي مرحلة يواجهون فيها الفشل. من هنا تنبع أهمية تعلم القدرة على الفصل بين المهارة والحظ، ليغدو القراء أكثر قدرة على اتخاذ قرارات أكثر حيادية وأكثر صواباً في شؤون حياتهم.

احذر مغالطة السببية

 عند اتخاذ أي قرار، يجب على الشخص أن يفكر بعقلية لاعب البوكر، وعليه أن يعتمد أسلوب الرهان عند المقارنة بين الخيارات المتاحة. ذلك أنّ التفكير في التفاصيل اليومية بعقلية المراهنة ستجعله يفكر بعقل تنافسي؛ فيدرس كل الخيارات الممكنة قبل اتخاذ القرار النهائي. ومن عادة البشر أن يخلطوا بين النتائج والقرارات التي تؤدي إليها، وهذه الظاهرة تعرف بـ “مغالطة السبب الزائف”، تنتج هذه المغالطة من الخلط بين السببية والصدفة، وأحيانا نتيجة التفسير الخاطئ للسببية. فربما تكون العلاقة السببية معدومة والأمر مجرد صدفة، فمثلًا عندما يطرد المدير التنفيذي مدير الشركة، فسيعدّ هذا القرار خاطئاً في حال واجهت الشركة صعوبات بعد طرده، ولكن النتيجة -في أي حال من الأحوال- ليست بأهمية القرار ذاته بالدرجة الأولى.

إذا اعتمد الأفراد على النتائج ليقرروا إذا ما كان القرار الذي اتخذوه صحيحاً أو خاطئاً، فمن المحتمل أن يدفعهم ذلك إلى عدم اتخاذ القرار الصائب في المستقبل. فلاعبو البوكر وغيرهم يجب أن يدربوا أنفسهم على امتلاك مهارة التفكير الموضوعي حيال القرار الذي سيتخذونه، دون اعتماد النتائج كمعيار لصحة هذا القرار أو عدم صوابه.

ولكن الكاتبة ترى أن القرار الذي نتخذه كبشر هو الأساس والمعيار الذي بموجبه تتحدد النتيجة التي من المتوقع أن نحصل عليها، ومن الخطأ الخلط بينهما.

تلقي الكاتبة الضوء على الأسباب التي تجعل البشر يفكرون أن الأحداث متسلسلة دوماً، ويغفلون دور الرهان في تسلسلها، ومن أبرز هذه الأسباب:  

  • تاريخيًا، يعتمد البشر على أسلوب التفكير التالي: أبيض أو أسود للنجاة والبقاء على قيد الحياة. فأجدادنا لطالما فكروا بهذه الطريقة، وهو منهج غير مناسب فيكل الأوقات، وليس صحيحاً اتباعه في حياتنا. فهذا النمط من التفكير يجعل البشر حبيسي تفكير ضيق في خيارين لا ثالث لهما، فأيّ موضوع إما أن يكون خطأ أو صواباً، وهذا خطأ لا يصلح لمعالجة لكل المواضيع؛ إذ لا بد من وجود جوانب مختلفة يمكن أخذها بعين الاعتبار. وإذا أراد البشر أن يحسنوا من قدرتهم على اتخاذ القرار، فعليهم أن يدربوا أنفسهم على التفكير بالاحتمالات وتقبل وجودها، ما يعني أن يعتمدوا أسلوبي التشكيك والتفكير التنبؤيّ في مناقشة أي فكرة أو موضوع كان.
  • تبعات القرارات الخاطئة التي نتخذها لا تظهر دوماً بصورة سريعة وملموسة. ففي لعبة البوكر -مثلاً-يعرف اللاعب مباشرة نتيجة رهانه الخاطئ بخسارة نقوده، أما الفرد الذي يتناول طعاماً غير صحي، فسيكون عليه الانتظار لفترة طويلة -قد تصل لعقود- قبل لمس الآثار السلبية لقراره الخاطئ.

ومن دون نتائج واضحة للقرار، قد يميل الأفراد إلى اتخاذ قرارات أو اتباع توقعات في ضوء انحيازاتهم الخاصة أو حتى معتقداتهم السياسية. أما اعتماد الفرد على مبدأ الرهان عند اتخاذ القرار فيمكنه من زيادة تركيزه فقط على المعلومات المتاحة أمامه في حينها؛ وبالتالي احتمالية اتخاذه قرار أكثر مصداقية وفعالية. 

الذاكرة الكاذبة

تشير الكاتبة أنّ معتقدات الأفراد تؤثر لى نوعية ذكرياتهم حيال الأحداث وكيفية وقوعها، وتستشهد بمقالتين نُشرتا وتصف الاضطراب الذي حدث خلال مباراة كرة قدم بين فريقين من مدرستين مختلفتين، كل منهما عرض وجهة نظر المدرسة التابعة لها، وقدم تفسيراً مختلفًا تماماً لما حدث. فكل فريق يوجه اللوم إلى الفريق الآخر.

بعد ذلك، عرض علماء نفس صور المباراة على طلبة المدرستين؛ لاكتشاف مدى تطابق ذكرياتهم عن المباراة مع آراء مدارسهم وادّعاءاتها حول ما حدث. وجّهت إحدى المجموعتين اعتراضاً بخصوص ضربات الجزاء التي حدثت خلال المباراة، في حين وجدت المجموعة الثانية أن كلا الفريقين يتحملان مسؤولية ما حدث بالتساوي. واستخلص العلماء إلى أن معتقدات الطلاب ورأيهم في مدارسهم، أثرت على قدرتهم على التفسير الصحيح لأحداث المباراة.  فالمعتقدات -بحسب وجهة نظرهم-تمتلك تأثيراً على طريقة استرجاع الذكريات للحدث، والتي قد يترتب عليها أحياناً استرجاع ذكريات خاطئة تماماً.

تشير الكاتبة في كتابها أنه بعد تجارب درست مسألة تأثير المعتقد على نوع الذكريات، توصل الباحثون إلى أن الفرد لا يكتفي بإطلاق التخمينات، وإنما يطلب ممّن حوله تأكيد هذا التخمين حتى وإن كان التخمين غير صحيح. وفي دراسة أخرى كشفت أن البشر يميلون إلى إضفاء المصداقية في الذكريات الخاطئة؛ لمجرد كونها ترتبط بأحداث وقعت فعلاً.

لا علاقة للخبر بمصدره

 ترصد الكاتبة في صفحاتها ميل البشر إلى ربط صحة الادعاء مع شعورهم حيال مصدر الادعاء، فتقول أن الناس يميلون-غالباً-إلى الإسراع في تصديق أي معلومة تأتيهم من شخص أو جهة يشعرون بالحب حيالها، ويميلون إلى رفضها وتكذيبها في حال امتلاكهم موقف سلبي من مصدرها.

لذا تنصح الكاتبة أي فرد لديه هذا الانحياز، ويريد أن يعرف مدى صحة المعلومة أن يفحصها ويتحقق منها بعيداً عن اعتماد المصدر كمعيار لصحة المعلومة وموثوقيتها. بمعنى آخر، أن يكون موضوعياً في مناقشة المعلومة.

على أي حال، لا تقلل مشاعرنا حيال مصدر المعلومة -سلبية كانت أو إيجابية-من مصداقية المعلومة.

آلية كشف الأخبار الكاذبة

تحذر الكاتبة قرّاء كتابها من الوقوع في شرك الأخبار الكاذبة بناءً على قوة مصادرها، وتستذكر في كتابها ما حدث في الانتخابات الرئاسية لعام 2016، والتي ضُخّ فيها الكثير من الأخبار الكاذبة، فقررت مؤسسات إخبارية عديدة مساعدة المشاهدين على معرفة الأخبار الصحيحة من الكاذبة بتزويدهم ببعض الطرق والخطوات. كانت الإذاعة الوطنية العامة في أمريكا NPR -واحدة من هذه الجهات-التي وضعت قائمة بعدة استراتيجيات، يستطيع القارئ تطبيقها للحكم على مصداقية أي خبر يقرؤه أو تقرير يسمعه. على سبيل المثال، يستطيع متابعو الأخبار أن يطابقوا بين عنوان التقرير ومحتواه، أما إذا كان المقال هو تلخيص لتقرير من مؤسسة أخرى، فيمكن للقارئ أن يبحث في الاقتباسات المتضمنة داخلها وعلاقتها بالسياق. ودعت القارئ أن يتنبه إلى أن المقالات التي تناقش أفكاراً ومواضيع مستقبلية، هي حتماً تقوم على افتراضات وتوقعات عوضاً عن حقائق علمية مثبتة في أغلب الحالات. والقصص الاتهامية لجهة أو طرف ما لا تكون ذات مصداقية كالتقارير التي تركز على مشكلة محددة وتناقش أسبابها وتحاول معالجتها. وذكرت الإذاعة أيضاً أن أي تقرير لا يذكر فيه الصحفي وجهة النظر المعارضة، ولا يتناول الموضوع من جانبيه المؤيد والمعارض، فهنالك احتمال كبير بوجود تحيّز لجهة دون أخرى، ما يقلل من مصداقية المقال والصحفي الذي كتبه.

إذا ينبغي على القراء أن يتسلحوا بالحذر واليقظة عند قراءة أي تقرير، أو سماع أي خبر، ولا سيما الأخبار التي تنشر على المواقع غير المشهورة أو قليلة الشهرة، أو تنشرها مؤسسات لا تعتمد المعايير الصحفية أو عمليات التحرير الإخباري. وحتى المؤسسات الإعلامية المشهورة يجب أن توضع تحت المجهر، فهي قادرة -إذا شاءت-على نشر معلومات خاطئة أو ذات طابع انحيازي، بالسهولة نفسها التي تمارسها المواقع الأقل شهرة، والتي تضج بهذا النوع من التقارير.

احذر معتقداتك

يشير الكتاب أنه غالباً ما يتخذ ال يميل الأفراد إلى تشكيل المعتقدات قبل التأكد من صحتها، حيث من المفترض أنَّ المعتقدات تتشكل -في الحالة الطبيعية-بعد خضوعها للتدقيق والتمحيص؛ ولكن لسوء الحظ، يحدث نقيض ذلك على أرض الواقع. فالناس يميلون إلى الإيمان بالمعلومة وتداولها قبل التحقق من صحتها، ويزداد الأمر سوءاً عندما تكون هذه المعلومة ذات صبغة مجردة تفوق قدرات العقل البشري. ويلعب المجتمع دوراً سلبياً أيضاً في هذا الخصوص؛ حيث أنه سريع التشرب والتداول لهذه المعتقدات، وخاصة التي تُعطى طابع الحقيقة وإن لم يكن لها أساس علمي.

على أية حال، الحالة الوحيدة التي قد يعاد النظر في هذا النوع من المعلومات، ويتم التدقيق فيها هو أن يشكك في صحتها من قبل مصدر خارجي. ولكن، وحتى بعد التدقيق وإعادة البحث، تبقى الكفة الراجحة هي لصالح المعتقد والإيمان به، على حساب أي معلومة علمية قد تدحضه؛ والسبب هو ميل الإنسان إلى إضفاء طابع الصدق على المعتقدات السائدة. ولكن يبقى لدور العلم في دحض هذه المعتقدات دورٌ إيجابيٌ وإن كان ثانوياً. بمعنى أن دحض أي معتقد علمياً سيؤدي إلى تحريك الماء الراكد حوله، ويثير الشكوك في نفوس أفراد المجتمع ولو على نطاق ضيق، ممّا يؤدي إلى خلق جو من النقاش والبحث.

اهتم بنقاء المعلومة لا بنقاء مصدرها

في عام 2017 نشرت صحيفة أتلانتيك مقالاً حوارياً مع عالم النفس شو، يتحدث فيه عن أسباب إصراره على الاعتقاد والإيمان في كلام يوجا غورا على الرغم من معرفته أن المعلم غورا قد كذب على مؤيديه وأتباعه، موضحاً أن متابعته لتعاليمه أدت إلى تحسّن صحته العقلية والعاطفية.

فرغم ظهور هذه المزاعم حوله واتهامه بارتكاب أفعال جنسية مع المعلمين الروحانيين الآخرين قسراً وجبراً، بقي شو رافضاً لتصديق ما يقال، وبقي يراها مجرد إشاعات، واختار عدم تصديقها. وأخبر الصحيفة، أنه لطالما كان يقول لنفسه: إن حقيقة هذه المزاعم لا تهم، ما دام أن هذا الرجل كان يبذل قصارى جهده لإفادة أتباعه، ولا شأن لنا بما يتعلق بحياته الخاصة.

وأوضح شو أن التأثير الوحيد لمعرفته في كذب هذا المعلم، كان منحصراً في تركه لممارسة رياضة اليوغا.

ربما يبين لنا شو مثالاً عن التمسك بالمعتقدات إلى أقصى درجة، ورفض أي إضاءات تدور حولها وعنها، ولكن في الكفة الثانية من الميزان يوجد الكثير من الأشخاص الذين لا يتقبلون أي فكرة بسهولة قبل التدقيق بها، وقبل تطبيقها على حياتهم الشخصية، وقبل مواءمتها مع تربيتهم.

تساعد الحياة ضمن الجماعات على تحسين قدرة الأفراد على اتخاذ القرار

تؤكد الكاتبة على أن الجماعة الديمقراطية المتفاهمة لا تجتمع على خطأ، وتطرح في هذا الصدد مجموعات الدعم لمدمني الكحول، حيث تزداد نسبة نجاح المدمن على الكحول في الإقلاع عن هذه العادة بدرجة أكبر إذا تواجد ضمن مجموعة يتشارك عدد من أفرادها القرار ذاته. فالبشر كائنات اجتماعية، وتتعلم على نحو أفضل في صحبة الجماعة؛ لأنها قادرة على تعزيز العادات الجيدة، وتقييم قرارات أفرادها، ما يمكن الفرد من اتخاذ قرارات أفضل في المستقبل.

يفضل أن تضم الجماعة أفراداً ينتمون إلى خلفيات مختلفة، ويحملون وجهات نظر وآراء متنوعة، إذا كانت ترغب بمساعدة أفرادها على اتخاذ القرارات الأمثل، وعلى تحقيق أفضل النتائج. بالإضافة إلى أن وجود أعضاء قادرين على استيعاب وتفهم وجهات النظر المعارضة يعدّ شرطاً أساسياً لصحة الجماعة، ودورها الإيجابي في حياة أفرادها.

أظهرت أحد الدراسات -التي أجراها عالم الأعصاب إداكي مع بروفسور في علم النفس- قدرة أكبر لدى المجموعة في التوصل إلى اتفاق، إذا كان بين أفرادها من يمتلكون القدرة على تفهم وجهات النظر المختلفة للموضوع، وفي الوقت ذاته لا تنحاز لأي من الأطراف.

قام الباحثان بعرض سيناريو خيالي على حشد من الناس، ثم طلبوا منهم تقييم الحالة المعروضة فيه من الناحية الأخلاقية، ثم طلبوا من جماعات من الناس وضع نسبة لثقتهم في هذا التقييم.

توصل الباحثان إلى أن الجماعة التي وصلت إلى الاتفاق بسهولة، كان فيها على الأقل عضواً واحداً يتفهم المبررات الموجودة لدى الجانبين، وكان واثقاً أن كلا الجانبين على نفس الدرجة من الصواب في قرارها، وفي الوقت ذاته كان هذا العضو قادراً على إيصال رأيه بوضوح وسلاسة إلى بقية أفراد المجموعة.

وتوصلا إلى نتيجة مفادها أن الأفراد القادرين على تفهم وجهات النظر المعارضة دون الانحياز لأحدها، يلعبون دور الوسيط في التأثير على باقي أفراد المجموعة. وأن المجموعات دائماً تختار الإجابة الأقرب إلى الجواب الصحيح فطرياً دون أي وعي منها بذلك.

الاختلاف لا الخلاف

 تؤكد سطور الكتاب أن الاستماع إلى الآراء المعارضة المختلفة يسهم في اتخاذ القرارات المتبصرة، ويقلل الخلافات للحد الأدنى

إنّ الإنترنت جعل المعلومات متاحة للجميع، وأصبح الفرد محاطاً بها، وكأنه يعيش داخل فقاعة كبيرة من المعلومات. مع ذلك فمستخدمو الفيس بوك لا يعجبون إلا بالصفحات التي تتفق مع وجهة نظرهم، ولا يبنون صداقات إلا مع من يشاركهم اهتماماتهم وميولهم.

ولا يغيب عن أذهاننا أن هذا الأسلوب المتمثّل في الاقتصار على التواصل مع من يوافق آراءنا ويرضي أهواءنا، يصعب علينا الأمر عندما نريد مناقشة المعتقدات والآراء الخاطئة ودحضها. فمن دون التعرف إلى الآراء المخالفة لنا والمعلومات المغايرة لما نملك، سيكون الفرد أكثر انحيازية في تصوره حيال الطرف الآخر أياً كان.

ففي الحالة المثالية السليمة، يجب أن يسعى الفرد إلى الحصول على المعلومات من مصادر مختلفة، وإلى البحث في جميع المواقع التي تعبر عن وجهة النظر المعارضة. إن رفض الاستماع إلى وجهات النظر المعارضة لنا، لا يؤدي فقط إلى تشكيل وجهات نظر أحادية الجانب، وإنما أيضا يقود إلى اتخاذ قرارات خاطئة على جميع المستويات ومنها ما يبرز في مجالي السياسة والعلم. 

ختاماً..

يقرّ الأفراد بعجزهم عن الوصول إلى درجة يقين بنسبة مئة بالمئة في النتائج الممكنة، في كل مرة يقررون فيها التفكير بجميع الاحتمالات المتاحة والجوانب المختلفة للموضوع. ولكنهم يرون في ذلك إيجابية أن ذلك يزيد من قدرتهم على رؤية جميع النتائج المحتملة، ومن قدرتهم على امتلاك فهم أفضل حول طرق تفكير الآخرين واتخاذهم قراراتهم.

فمن يفكر وفق مبدأ المراهنة، يكون أقدر على جمع معلومات من مصادر متعددة، وفي أزمنة مختلفة، ما يزيد في قدرته على اكتشاف أخطائه وتحديد مواطن قوته بوضوح، وبالتالي الاستعداد الأفضل لأي تغييرات قد تحصل خلال رحلة الوصول إلى الهدف المرجو.