م. طارق الموصللي
م. طارق الموصللي

د

سيكولوجيا ألسنة التبويب: لماذا يزدحم متصفحك بالعشرات منها؟

في هذه اللحظة بالذات، يزدحم 63 لسان تبويب مفتوح عبر خمسة نوافذ مختلفة لمتصفحي.

إذا كان هذا يبدو موقفًا مألوفًا، فذلك لأن معظمنا يعاني مشكلة مع ألسنة التبويب. وجد بحث جديد من جامعة كارنيجي ميلون (CMU) أن 55% من عينة البحث واجهوا مشكلة في إغلاق ألسنة التبويب، لا لعجزهم عن إيجاد علامة X الصغيرة للنقر عليها وإغلاقها بالطبع! ولكن لتضمّن ألسنة التبويب تلك معلومات قد يحتاجون إليها. أدى ذلك إلى تبرّم 30% من هؤلاء الأشخاص من معاناتهم “مشكلة اكتناز ألسنة التبويب”. وصرّحت فئة منهم أن ألسنة التبويب اللانهائية تسببت في مشاكل حقيقية (من تعطل أجهزة الكمبيوتر أو إبطائها).

يقول (أنيكيت كيتور- Aniket Kittur)، الأستاذ في معهد التفاعل بين الإنسان والحاسوب في الجامعة المذكورة:

كان بعضهم ممتنًا عندما “انهارت” حواسيبهم لأن ذلك أراحهم من طوفان ألسنة التبويب.

بالمناسبة، لماذا نستخدم ألسنة التبويب أصلًا؟

يمكن إرجاع اختراع المتصفح المبوب الحديث إلى عام 1998، عندما نشر مطور البرمجيات “باسادينا آدم ستايلز – Pasadena Adam Stiles” متصفحه SimulBrowse. كان أول متصفح ويب مبوب في العالم. هذا يعني أنه بدلاً من إجبار المستخدمين على فتح العديد من النوافذ عند تصفح الويب، تظهر الصفحات الجديدة في ألسنة تبويب رمادية صغيرة أسفل النافذة.

استغرق الأمر بضع سنوات قبل أن تنتشر الفكرة انتشار النار في الهشيم؛ أولاً عن طريق شركة (موزيلا-Mozilla) ومتصفحها الشهير فايرفوكس في عام 2002، ثم انفرط العقد.
ذلك لأن ألسنة التبويب كانت طوق النجاة عند استكشاف الويب الآخذ في الاتساع. أتاحت ألسنة التبويب غرف قدرٍ أكبر من الإنترنت مرة واحدة. وسمحت للمستخدمين بإجراء عمليات بحث متعددة حول موضوع واحد، دون فقدان المعلومات المهمة على طول الطريق. لقد تركت عقولنا تتجول من موضوع إلى آخر، حيث كان كل لسان تبويب بمثابة “مرساة صغيرة” أو إشارة إلى المكان الذي كنا فيه.

يقول كيتور:

“إذا فكرت في الأمر، فغوغل يُبلي حسنًا من خلال إعطائنا الآلاف من نتائج البحث. ولكن العملية بأكملها -وأقصد التي تليّ ظهور نتائج البحث- تتم بالكامل إلى حد كبير في أذهاننا. إذا كنت تتسائل: كيف؟ فنحن نستخدم -حصرًا- ألسنة التبويب للقيام بذلك”

بعبارة أخرى، تساهم ألسنة التبويب في بناء نموذجنا العقلي للإنترنت في شيء يمكن لأدمغتنا توليفه.

يرى كيتور أن ألسنة التبويب لم تتطور بشكل ملحوظ منذ عقود. لكن الآن لدينا شبكة أكبر بمليار مرة مما كانت عليه قبل حوالي 20 عامًا، وهي تتطلب الآن تريليون ساعة عمل سنويًا (10% من إجمالي ما تقدمه العمالة) لفهمها. وألسنة التبويب هي الأداة الفعلية لتنظيم كل ذلك.
للحصول على رؤية أفضل لكيفية ولماذا نستخدم ألسنة التبويب، راقب باحثو (جامعة كارنيجي ميلون) عادات التصفح لعشرة أشخاص لمدة أسبوعين. وأجروا مقابلات متعمقة معهم حول الموضوعات المُدرجة في ألسنة التبويب خاصتهم وأسباب بقائها مفتوحة، وما الذي يتطلبه الأمر لإغلاقها. بعد ذلك، أجرى الباحثون استطلاعات رأي عبر الإنترنت مع 103 أشخاص آخرين حول عاداتهم في التعامل مع ألسنة التبويب.

اكتشف فريق كيتور جميع أنواع الأسباب الشائعة والمتكررة التي تمنع الأشخاص من إغلاق ألسنة التبويب: فبعضهم احتاج إلى ألسنة التبويب لتخفيف العبء على عقولهم بحيث تكون بمثابة ذاكرة رقمية. واحتاج بعضهم الآخر إلى بعض المعلومات للرجوع إليها بسرعة مرارًا وتكرارًا. لكن السبب الأشهر هو ظاهرة جوهرية في علم النفس البشري، وهي ظاهرة تلخص إحجامي عن إغلاق لسان تبويب واحد (وربما إحجامك أنت أيضًا).

يقول كيتور:

“يرتبط الأشخاص بألسنة التبويب لأنهم يرونها على أنها فرص، فرص لحياة أفضل: نهل المزيد من المعرفة، والحصول على وظيفة أفضل، والتنوير. يصطف الناس في طوابير هذه الأشياء ويأملون في الوصول إليها لأن لا أحد يحب أن يخسر الفرص”.

وعندما تغلق علامة تبويب لم تستخدمها بعد، تبدو كفرصة ضاعت للأبد.

هل ثمّة حل لتكديس ألسنة التبويب؟

تؤدي ألسنة التبويب دورًا ضعيفًا في تلبية احتياجاتنا، وبصراحة، لم تكن هناك حاجة لبحث يُثبت ذلك (على الرغم من أنه أمر مبرر تمامًا!). السؤال الذي ينبثق عن عمل كيتور: إن لم تكن المشكلة في ألسنة التبويب، فماذا إذن؟

حاول العديدون الإجابة على هذا السؤال بالفعل؛ إذ أضافت غوغل مؤخرًا خيار تجميع ألسنة التبويب معًا في متصفحها كروم، بحيث يمكنك دمج العديد من الروابط في لسان تبويب وحيد. وغيّرت مايكروسوفت طريقة عرض ألسنة التبويب في Edge، فاختارت قائمة عمودية بدلاً من التمرير الجانبي اللانهائي.

بالطبع، هذه الأساليب لا تحل مشكلة ألسنة التبويب. وإنما تعرضها بشكل مختلف. يمكن أن يعني تنظيم علامات التبويب إخفاءها قليلاً، مما يغذي القلق الشديد من الاستسلام لعلامة تبويب. يقول كيتور: “يبدو الأمر وكأن لديك قاربًا يعاني تسريبًا، فتقرر جعله أكبر قليلاً، عوضًا عن حل المشكلة جذريًا!”.

يرى كيتور بأن على عمالقة التكنولوجيا إعادة التفكير في علامة التبويب نفسها، ولا يكون على شكل حلّ يناسب الجميع لكنه لا يتناسب مع المحتوى، إذ تختلف الطريقة التي تريد بها حفظ مقطع مضحك على اليوتيوب لاستخدامه لاحقًا اختلافًا جوهريًا عن الطريقة التي تحتاجها لمعالجة خمس مقالات في المجلات الطبية لمعرفة ما يمكن أن يكون عليه هذا الطفح الجلدي الأحمر على ذراعك:

“نحتاج إلى أدوات يمكننا من خلالها إراحة أدمغتنا بطريقة تجمع زخم الأفكار داخلها وتتيح -في ذات الوقت- تجاوز فوضى المعلومات تلك. لماذا أحتاج إلى فتح ست علامات تبويب وإبقائها مفتوحة لمطعم أفكر في الذهاب إليه؟ لأن أحدهما يحتوي على القائمة، والآخر يستعرض صوره على الانستغرام، وثالث يضمّ التقييمات. ألا يجب أن تكون هناك طريقة لجمع كل ذلك معًا؟”

لا يقصد كيتور ألسنة التبويب المجمعة فقط. وإنما يعني أننا بحاجة إلى شيء أكثر ثراءً، أي جمع المعلومات عن طريق “المهمة” أو “السياق”.
علاوة على ذلك، نحتاج إلى طرق أفضل لإظهار ألسنة التبويب التي تمثّل أمرًا تريد قراءته لاحقًا، لتجنب تأثير الثقب الأسود الذي يجعلنا خائفين للغاية من إغلاق علامات التبويب في المقام الأول. (نعم، تُعد تطبيقات مثل Pocket خيارًا معقولًا لحفظ الروابط، بينما حاولت بنترست حل هذه المشكلة بصريًا أيضًا. ولكن لم يخلق أحد حلًا جذريًا للمشكلة ككل)

رداً على ذلك، يعمل فريق كيتور على تطوير إضافة لمتصفح كروم، وتُدعى Skeema . وهي تذكرنا ببرامج تتبع العمل والقوائم مثل Todoist.

تتعقب Skeema جميع ألسنة التبويب المفتوحة لديك، وتتيح لك إسنادها في “خزان معزول” فضفاض أو تجميعها في مهام محددة (مهام يمكنك حتى ربطها بتاريخ ووقت للوفاء بالمواعيد النهائية).

يقول كيتور أنه في الاختبار المبكر مع عشرات المستخدمين، اختار 75% الاستمرار في استخدام (سكيما-Skeema) يوميًا بعد شهرين. عندما حاولت ذلك بنفسي لمدة يوم، وجدت أنها مدهشة تمامًا. ففي كل مرة فتحت لسان تبويب جديد، أنبثقت أمامي سكيما! لقد كانت “تحدّق في وجهي” ليس بلسان تبويب واحد فحسب، ولكن بكل ألسنة التبويب غير المقروءة والمهام التي تراجعت عنها (لدرجة أنني بدأت في الاستعداد للصدمة في كل مرة أفتح فيها علامة تبويب جديدة. أصبحت أمقت تصفح الإنترنت!

واجهة المستخدم نفسها وسيلة ثقيلة للتعود عليها. فهي تمزج جميع أنواع التجميعات وخيارات الجدولة/الأولوية. من المؤكد أنها متعمقة، لكنني وجدت هذا العمق ساحقًا مقارنة بالإحساس البسيط بفتح لسان تبويب أو تجاهله. من المحتمل أن تكون هناك بعض الأفكار الجيدة في (سكيما-Skeema)، ولكن حتى لو نجح البرنامج، فمن الصعب كسر عقدين من إدمان ألسنة التبويب.

يعترف كيتور بوجود بعض أوجه القصور في المشروع ويعتبره بحثًا جارٍ وليس حلًا النهائي لطوفان ألسنة التبويب. ويشير إلى تحديات تقليل القلق من علامات التبويب والفرصة في إعادة ظهور علامات التبويب القديمة هذه بطرق جديدة تتجاوز بناء ما يعادل قائمة انتظار نتفلكس ليتم تخزينها وتجاهلها.

اختبر الفريق عرض قصة محفوظة عشوائيًا ليقرأها الأشخاص بعد ذلك. يقترح كيتور أيضًا أن مفاجأتك بقصص (سكيما-Skeema) المحفوظة في خلاصتك على الفيسبوك أو غيرها من الأماكن الطبيعية التي تصطدم بها تحمل الكثير من الأمل. أنا موافق. إذا كان بإمكاني -بطريقة ما- إرسال ألسنة التبويب غير المقروءة إلى موجز أخبار غوغل خاصتي على الهات، فأرجو أعلمني بها!

في النهاية

على الرغم من ذلك، ينظر كيتور إلى ألسنة التبويب باعتبارها واحدة من أعمق المشاكل في عصرنا والتي، إذا تمكنا من حلها، يمكن أن تقدم ميزة كبيرة للإنسانية.
يقترح أن منظم علامات التبويب يمكن أن يتجاوز بحث غوغل. أثناء البحث عن أي موضوع، تصبح ألسنة التبويب خاصتك -في النهاية- مستودعًا للمعرفة. إذا تمكنا من إيجاد طريقة للاستفادة من الروابط ومشاركتها، ليس فقط الروابط، ولكن قوائم المصادر الكبيرة هذه والمنهجيات في بنائها، فهذا يعني أننا لن نحتاج إلى أن نكون باحثين شخصيين يعملون في فقاعاتنا الخاصة.

ترجمة -بتصرف- لمقالة The twisted psychology of browser tabs—and why we can’t get rid of the