ممدوح رزق
ممدوح رزق

د

The other sister: السينما كتجميل للأنقاض الخالدة

تدور أحداث الفيلم حول الطفلة (كارلا) التي تقرر أسرتها إرسالها إلى مدرسة خاصة بالمعاقين ذهنيًا، نتيجة انخفاض معدل ذكائها ومواجهتها صعوبات في النمو العقلي الأمر الذي أدى إلى صدامات كثيرة داخل محيط الأسرة لعدم قدرتها على التكيّف مع أفرادها.

بعد سنوات، وحين تصبح الطفلة في بداية مرحلة الشباب؛ تعود (كارلا) إلى أسرتها بسمات نفسية أكثر هدوءً وأقل عنفًا عن تلك التي كانت تتسم بها شخصيتها في مرحلة الطفولة (كان عنفها في غالبيته رد فعل لعجزها عن الخضوع لآليات الواقع وأيضًا لسخرية أبطال هذا الواقع من سلوكها المخالف لقوانين التعاملات والعلاقات المعتادة).

تحاول الأم إخضاع الابنة إلى ممارسات وأهداف حياتية خاصة (تعليم التنس ودراسة الفن التشكيلي ولعب الشطرنج كما يليق بفتيات العائلات الراقية) الأمر الذي سيجعل (كارلا) تضيق بحياتها في بيت أسرتها وتتخذ قرارًا بالاستقلال المعيشي في منزل آخر بمفردها والالتحاق بمدرسة خاصة للتعليم المهني .. ورغم معارضة والدتها الشديدة لهذا السلوك المتمرد على إرادتها إلا أنها ترضخ في النهاية وتستجيب لمطالب (كارلا).

في المدرسة تتعرّف الفتاة على الطالب (دانييل) الذي تقارب حالته الذهنية حالة (كارلا) لتشرع في بناء علاقة معه تبدأ بالخروج للتجول بالدراجة وتناول الطعام وسماع الموسيقى ثم ممارسة الجنس (تم الأمر بقدر كبير من الارتباك الذي يصاحب بهجة وخوف الاكتشاف والإذعان المعلن لتلك المشاعر بين رجل وامرأة).

بعد ذلك تقرر (كارلا) الزواج من (دانييل) ورغم المعارضة والرفض الهائل لوالدتها إلا أن الزواج يحدث في النهاية بعد رضوخ الأم لرغبة ابنتها .

لم يتجاوز الفيلم المعالجة التقليدية التي اعتادت غالبية الأفلام التي تتناول “المعاقين ذهنيًا” على تقديمها من حيث نفس الطرح المستهلك عن ضرورة أن يمارس “المعاق ذهنيًا” حياة عادية مثل أي فرد طبيعي، وكأن الأنساق المعتادة لحياة هذا الفرد الطبيعي (أو ما نطلق عليه كذلك) أشبه بيوتوبيا أو فردوس مفقود، وتصلح أن تكون نموذجًا يسعى لتحقيقه كل فرد في العالم .

الفيلم تحكمه رؤية منتصرة جوفاء للحياة والواقع من خلال مؤسساته وأنماطه وعلاقاته التقليدية (الأسرة ـ الزواج ـ الصداقة … إلخ) .. وبالطبع كان لهذه الرؤية القاصرة أن تحجّم الفيلم عن التفاعل الحميمي والتوحد مع العالم الحقيقي لمن يوصف بـ (الإعاقة الذهنية) حيث غياب الأقنعة في مواجهة العالم والصدق في التعبير عن المشاعر وعدم الاكتراث بالآخرين وآراءهم وأفكارهم عن طبيعتك الذاتية.

كان هناك إصرار من مخرج الفيلم على تكبيل حياة (كارلا) و (دانييل) بقيود الواقع من منطلق إيمانه بأن آلياته التقليدية هي نفسها شروط السعادة، مع أنه يُفترض في هذا الثنائي القدرة على فضح شرورها، لكن الأمر يرجع دائمًا لمن يُحسن استغلال ذخيرته في اللعب والتقويض، ومن يستسهل على جانب آخر إرغامها على التشكّل داخل القوالب الصدئة.

يُعد استعمال “المعاق ذهنيًا” في تكريس الإيمان بالأنساق المألوفة للحياة بمثابة جائزة كبرى لهذه الأنساق؛ فالأشخاص العاديين الذين يتم توظيف حكاياتهم لتوطيد اليقين بخرافات العالم لا مساءلتها ومحاكمتها؛ هؤلاء يؤدون أدوارًا طبيعية وشائعة، لكن “المعاق ذهنيًا” حين يتم استعباده من خلال السلطة البديهية لهذا اليقين بحيث يتحدد رجاؤه الدنيوي في أن يصبح إنسانًا عاديًا، خاضعًا لأنساق الحياة فإن خرافات العالم تكتسب بفضل ذلك الدعم الاستثنائي مزيدًا من القوة والتأثير كحقائق حاسمة، في إنكارها أو التجرد منها مجابهة لغربة مضنية وهلاك محتوم.